responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 82
ورد أَنَّهُ لَمَّا شُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:
إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِيًا وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
. وَمَا ثَبَتَ مِنْ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ.
وَأَغْرَبَ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا نَزَلَ قَوْلُهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ نَسْخًا لِمَا كَانَ يَدْعُو بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَلِحْيَانَ، الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَسَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي «الْبُخَارِيِّ» أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كَلَامٌ ضَعِيفٌ كُلُّهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ لِنَسْخِ ذَلِكَ وَهِيَ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ
عِلَلِ النَّصْرِ الْوَاقِعِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَتَفْسِيرُ مَا وَقَعَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَة أخذا بكامل الْأَدَبِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَعْلَمَهُ فِي هَذَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِ نَفْعُ الْإِسْلَامِ، وَنِقْمَةُ الْكُفْرِ، تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ إِذْ لَعَلَّهُمْ أَنْ يُسْلِمُوا. وَإِذْ جَعَلْنَا دُعَاءَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبَائِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقُنُوتِ شَرْعًا تَقَرَّرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ عَلَى الْعَدُّوِ مُبَاحٌ، فَتَرْكُهُ لِذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ بِالْقِيَاسِ، نَسَخَتْ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ اسْتِوَاءُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِإِثْبَاتِ حُكْمِ أَوْلَوِيَّةِ الْفِعْلِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَ الْمَرْمَى، وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وُجُوبًا، وَأَنَّ (أَوْ) بِمَعْنَى حَتَّى: أَيْ لَيْسَ لَكَ مِنْ أَمْرِ إِيمَانِهِمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا إِذَا تَابَ عَلَيْهِمْ، وَهَلْ يَجْهَلُ هَذَا أَحَدٌ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى بَيَانِهِ، عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ عِلَلِ النَّصْرِ، فَكَيْفَ يشتّت الْكَلَام، وتنتثر الْمُتَعَاطِفَاتُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْأَمْرِ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ شَيْءٌ، مِنْ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ بِإِضْمَارِ أَنْ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ، أَيْ لَيْسَ لَكَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَوْ تَوْبَتِهِمْ شَيْءٌ، أَوْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ تَوْبَةٌ عَلَيْهِمْ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 82
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست