responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 81
أَرْدَفَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عِقَابِهِمْ، فَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ إِرْضَاءٌ لَهُ مِنْ جَانِبِ الِانْتِصَارِ لَهُ، وَفِي بَعْضِهَا إِرْضَاءٌ لَهُ مِنْ جَانِبِ تَطْوِيعِهِمْ لَهُ. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَقْصِدِ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى بَقِيَّةِ عُقُوبَاتِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
أَوْ يُعَذِّبَهُمْ.
وَلِكَوْنِ التَّذْكِيرِ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَقَعَ فِي خِلَالِ الْإِشَارَةِ إِلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ، كَأَنَّ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ إِيمَاءً إِلَى مَا يَصْلُحُ بَيَانًا لِحِكْمَةِ الْهَزِيمَةِ اللَّاحِقَةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، إِذْ كَانَ فِي اسْتِبْقَاءِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لَمْ يُصِبْهُمُ الْقَتْلُ يَوْمَئِذٍ، ادِّخَارُ فَرِيقٍ عَظِيمٍ مِنْهُمْ لِلْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدُ، بَعْدَ أَنْ حَصَلَ رُعْبُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَإِنْ حَسَبُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَيَّ حِسَابٍ بِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ شَجَاعَتِهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِرُوا. وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مُتَعَلِّقًا بِأَحْوَالِ يَوْمِ أُحُدٍ: لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَنْبُو عَنْهُ، وَحَالُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى قَوْلِهِ: خائِبِينَ.
وَوَقَعَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَّ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ يَمْسَحُونَ الدَّمَ عَنْ وَجْهِ نَبِيِّهِمْ، فَقَالَ النَّبِيءُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ»
أَيْ فِي حَالِ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْخَيْرِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، وَمَعْنَاهُ: لَا تَسْتَبْعِدْ فَلَاحَهُمْ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُتَأَوِّلٌ عَلَى إِرَادَةِ:: فَذُكِّرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لِظُهُورِ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِأَنَّ النَّبِيءَ تَعَجَّبَ مِنْ فَلَاحِهِمْ أَوِ اسْتَبْعَدَهُ، وَلَمْ يَدَّعِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، أَوْ عَمَلًا، حَتَّى يُقَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَسَمَّى أُنَاسًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْلَمُوا
. وَقِيلَ:
إِنَّهُ هَمَّ بِالدُّعَاءِ، أَوِ اسْتَأْذَنَ اللَّهَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِيصَالِ، فَنُهِيَ. وَيَرُدُّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مَا
فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نبيئا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يعلمُونَ
. و

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 81
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست