responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 285
وَيَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ رَاجِعًا إِلَى مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمُ الْأَزْوَاجُ خَاصَّةً، وَهَذَا لَيْسَ بِعَزِيزٍ أَنْ يُطْلَقَ ضَمِيرٌ صَالِحٌ لِلْجَمْعِ وَيُرَادَ مِنْهُ بَعْضُ ذَلِكَ الْجَمْعِ بِالْقَرِينَةِ، كَقَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النِّسَاء: 29] أَيْ لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ أَخَاهُ، إِذْ قَدْ يُعْرَفُ أَنَّ أَحْدًا لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ، وَكَذَلِكَ فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: 61] أَيْ يُسَلِّمُ الدَّاخِلُ عَلَى الْجَالِسِ. فَالْمَعْنَى: لِيَذْهَبَ بَعْضُكُمْ بِبَعْضِ مَا آتَاهُنَّ بَعْضُكُمْ، كَأَنْ يُرِيدَ الْوَلِيُّ أَنْ يَذْهَبَ فِي مِيرَاثِهِ بِبَعْضِ مَالِ مَوْلَاتِهِ الَّذِي وَرِثَتْهُ مِنْ أُمِّهَا أَوْ قَرِيبِهَا أَوْ مِنْ زَوْجِهَا، فَيَكُونُ فِي الضَّمِيرِ تَوْزِيعٌ. وَإِطْلَاقُ الْعَضْلِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
حَقِيقَةٌ. وَالذَّهَابُ فِي قَوْلِهِ: لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مَجَازٌ فِي الْأَخْذِ، كَقَوْلِهِ:
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 17] ، أَيْ أَزَالُهُ.
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
لَيْسَ إِتْيَانُهُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ بَعْضًا مِمَّا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا مِنَ الْعَضْلِ وَلَا مِنَ الْإِذْهَابِ بِبَعْضِ الْمَهْرِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا اسْتِثْنَاءً مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ، وَهُوَ إِرَادَةُ الْإِذْهَابِ بِبَعْضِ مَا آتَوْهُنَّ، لِأَنَّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، أَيْ إِلَّا حَالَ الْإِتْيَانِ بِفَاحِشَةٍ فَيَجُوزُ إِذْهَابُكُمْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا فِي مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ، أَيْ لَكِنْ إِتْيَانُهُنَّ بِفَاحِشَةٍ يُحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ، فَقِيلَ: هَذَا كَانَ حُكْمَ الزَّوْجَةِ الَّتِي تَأْتِي بِفَاحِشَةٍ وَأَنَّهُ نُسِخَ بِالْحَدِّ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ.
وَالْفَاحِشَةُ هُنَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعلمَاء هِيَ الزِّنَا، أَيْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَحَقَّقَ زِنَى زَوْجِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْضُلَهَا، فَإِذَا طَلَبَتِ الطَّلَاقَ فَلَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِبَعْضِ صَدَاقِهَا، لِأَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي بَعْثَرَةِ حَالِ بَيْتِ الزَّوْجِ، وَأَحْوَجَتْهُ إِلَى تَجْدِيدِ زَوْجَةٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ مَوْكُولٌ لِدِينِهِ وَأَمَانَةِ الْإِيمَانِ. فَإِنْ حَادَ عَنْ ذَلِكَ فَلِلْقُضَاةِ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِّ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلِ الْمُفَادَاةَ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ لِئَلَّا تَصِيرَ مُدَّةُ الْعِصْمَةِ عَرِيَّةً عَنْ عِوَضٍ مُقَابِلٍ، هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَسَنِ. وَأَبِي قِلَابَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ لَكِنْ قَالَ عَطَاءٌ: هَذَا الْحُكْمُ نسخ بحدّ الزِّنَا وَبِاللَّعَّانِ، فَحُرِّمَ الْإِضْرَارُ وَالِافْتِدَاءُ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 285
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست