responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 257
وَالْأَوْلَادُ جَمْعُ وَلَدٍ بِوَزْنِ فَعَلٍ مِثْلُ أَسَدٍ وَوَثَنٍ، وَفِيهِ لُغَةُ وِلْدٍ- بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ- وَكَأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِعْلٌ الَّذِي بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالذِّبْحِ وَالسِّلْخِ. وَالْوَلَدُ اسْمٌ لِلِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَالْوَارِدُ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَجَمْعُهُ أَوْلَادٌ.
وفِي هُنَا لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، جُعِلَتِ الْوَصِيَّةُ كَأَنَّهَا مَظْرُوفَةٌ فِي شَأْنِ الْأَوْلَادِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهَا بِهِ كَاتِّصَالِ الْمَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ، وَمَجْرُورُهَا مَحْذُوفٌ قَامَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، لِظُهُورِ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَوْلَادِ لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا لِلْوَصِيَّةِ، فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ عَلَى طَرِيقَةِ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَتَقْدِيرُهُ: فِي إِرْثِ أَوْلَادِكُمْ، وَالْمَقَامُ يَدُلُّ عَلَى الْمُقَدَّرِ عَلَى حَدِّ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاء: 23] فَجَعَلَ الْوَصِيَّةَ مَظْرُوفَةً فِي هَذَا الشَّأْنِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهَا بِهِ وَاحْتِوَائِهِ عَلَيْهَا.
وَجُمْلَةُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ يُوصِيكُمُ لِأَنَّ مَضْمُونَهَا هُوَ مَعْنَى مَضْمُونِ الْوَصِيَّةِ، فَهِيَ مِثْلُ الْبَيَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلتَّنْبِيهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ صَارَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْإِرْثِ وَهُوَ الْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِ عَهْدٌ مِنْ قَبْلُ إِذْ كَانَ الذُّكُورُ يَأْخُذُونَ الْمَالَ الْمَوْرُوثَ كُلَّهُ وَلَا حَظَّ لِلْإِنَاثِ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ [النِّسَاء: 7] .
وَقَوْلِهِ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ جَعَلَ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ هُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يُقَدَّرُ بِهِ حَظُّ
الذَّكَرِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَقَدَّمَ تَعْيِينُ حَظٍّ لِلْأُنْثَيَيْنِ حَتَّى يُقَدَّرَ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَضْعِيفُ حَظِّ الذَّكَرِ مِنَ الْأَوْلَادِ عَلَى حَظِّ الْأُنْثَى مِنْهُمْ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمُرَادُ صَالِحًا لِأَنْ يُؤَدَّى بِنَحْوِ:
لِلْأُنْثَى نِصْفُ حَظِّ ذَكَرٍ، أَوْ لِلْأُنْثَيَيْنِ مِثْلُ حَظِّ ذَكَرٍ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إِلَّا بَيَانَ الْمُضَاعَفَةِ.
وَلَكِنْ قَدْ أُوثِرَ هَذَا التَّعْبِيرُ لِنُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ وَهِيَ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ حَظَّ الْأُنْثَى صَارَ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ أَهَمَّ مِنْ حَظِّ الذَّكَرِ، إِذْ كَانَتْ مَهْضُومَةَ الْجَانِبِ عِنْدَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَصَارَ الْإِسْلَامُ يُنَادِي بِحَظِّهَا فِي أَوَّلِ مَا يَقْرَعُ الْأَسْمَاعَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ قِسْمَةَ الْمَالِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ إِلَخْ مُعَادُ الضَّمِيرِ هُوَ لَفْظُ الْأَوْلَادِ، وَهُوَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 257
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست