responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 256
وَمِنَ الِاهْتِمَامِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ تَصْدِيرُ تَشْرِيعِهَا بِقَوْلِهِ: يُوصِيكُمُ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ هِيَ الْأَمْرُ بِمَا فِيهِ نَفْعُ الْمَأْمُورِ وَفِيهِ اهْتِمَامُ الْآمِرِ لِشِدَّةِ صَلَاحِهِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مَا يَعْهَدُ بِهِ الْإِنْسَان، فِيمَا يصنع بِأَبْنَائِهِ وَبِمَالِهِ وَبِذَاتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَصِيَّةً.
وَقَدْ رُوِيَتْ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ قَالَ: «مَرِضْتُ فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ فَوَجَدَانِي لَا أَعْقِلُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ «كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَنَزَلَتْ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ «إِنَّ سَعْدًا هَلَكَ وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَأَخَاهُ، فَعَمَدَ أَخُوهُ فَقَبَضَ مَا تَرَكَ سَعْدٌ، وَإِنَّمَا تُنْكَحُ النِّسَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِنَّ» فَلَمْ يُجِبْهَا فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَتْهُ فَقَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنَتَا سَعْدٍ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ادْعُ لِي أَخَاهُ» ، فَجَاءَ، فَقَالَ: «ادْفَعْ إِلَى ابْنَتَيْهِ الثُّلُثَيْنِ وَإِلَى امْرَأَتِهِ الثُّمُنُ وَلَكَ مَا بَقِيَ» وَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ.
بَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فُرُوضَ الْوَرَثَةِ، وَنَاطَ الْمِيرَاثُ كُلَّهُ بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ جِبِلِّيَّةً وَهِيَ النَّسَبُ، أَوْ قَرِيبَةً مِنَ الْجِبِلِّيَّةِ، وَهِيَ عِصْمَةُ الزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّ طَلَبَ الذَّكَرِ لِلْأُنْثَى جِبِلِّيٌّ، وَكَوْنُهَا الْمَرْأَةَ الْمُعَيَّنَةَ يَحْصُلُ بِالْإِلْفِ، وَهُوَ نَاشِئٌ عَنِ الْجِبِلَّةِ. وَبَيَّنَ أَهْلَ الْفُرُوضِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَرْجِعَ الْمَالِ بَعْدَ إِعْطَاءِ أَهْلِ الْفُرُوضِ فُرُوضَهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنَ احْتِوَاءِ أَقْرَبِ الْعُصْبَةِ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَقْصِدَ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»
. أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَلَمْ يُبَيِّنْ حَظَّ الْأَبِ، لِأَنَّ الْأَبَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قَدْ رَجَعَ إِلَى حَالَتِهِ الْمُقَرَّرَةِ، وَهِيَ احتواء المَال فاحتيج إِلَى ذِكْرِ فَرْضِ الْأُمِّ.
وَابْتَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِمِيرَاثِ الْأَبْنَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 256
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست