responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 232
يُجْرَى اسْمُ الْإِشَارَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [68] .
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ضَمِيرٍ (مِثْلَهُ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [36] .
وَجِيءَ بِلَفْظِ نَفْساً مُفْرَدًا مَعَ أَنَّهُ تَمْيِيزُ نِسْبَةِ طِبْنَ إِلَى ضَمِيرِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ. وَأُسْنِدَ الطَّيِّبُ إِلَى ذَوَاتِ النِّسَاءِ ابْتِدَاءً ثُمَّ جِيءَ بِالتَّمْيِيزِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّةِ هَذَا الطَّيِّبِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي: مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَبَيْنَ اشْتَعَلَ شَيْبُ رَأْسِي، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ طِيبُ نَفْسٍ لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ الضَّغْطِ وَالْإِلْجَاءِ.
وَحَقِيقَةُ فِعْلِ (طابَ) اتِّصَافُ الشَّيْءِ بِالْمُلَاءَمَةِ لِلنَّفْسِ، وَأَصْلُهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ لِحُسْنِ مَشْمُومِهَا، وَطَيِّبُ الرِّيحِ مُوَافَقَتُهَا لِلسَّائِرِ فِي الْبَحْرِ: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يُونُس: 22] ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا تَرْضَى بِهِ النَّفْسُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً [الْبَقَرَة: 168] ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِمَا يَزْكُو بَيْنَ جِنْسِهِ كَقَوْلِهِ: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ
[النِّسَاء: 2] وَمِنْهُ فِعْلُ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً هُنَا أَيْ رَضِينَ
بِإِعْطَائِهِ دُونَ حَرَجٍ وَلَا عَسْفٍ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ.
وَقَوْلُهُ: فَكُلُوهُ اسْتَعْمَلَ الْأَكْلَ هُنَا فِي مَعْنَى الِانْتِفَاعِ الَّذِي لَا رُجُوعَ فِيهِ لِصَاحِبِ الشَّيْءِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، أَيْ فِي مَعْنَى تَمَامِ التَّمَلُّكِ. وَأَصْلُ الْأَكْلِ فِي كَلَامِهِمْ يُسْتَعَارُ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ اسْتِيلَاءً لَا رُجُوعَ فِيهِ، لِأَنَّ الْأَكْلَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ حَائِلًا بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ رُجُوعِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ. وَلَكِنَّهُ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الِانْتِفَاعِ لِأَجْلِ الْمُشَاكَلَةِ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاء: 2] فَتِلْكَ مُحَسِّنُ الِاسْتِعَارَةِ.
وهَنِيئاً مَرِيئاً حَالَانِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ وَهُمَا صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ من هُنَا وهنيء- بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا- بِمَعْنَى سَاغَ وَلَمْ يُعَقِّبْ نَغْصًا. وَالْمَرِيءُ مِنْ مَرُوَ الطَّعَامَ- مُثَلَّثُ الرَّاء- بِمَعْنى هنىء، فَهُوَ تَأْكِيدٌ يُشْبِهُ الِاتِّبَاعَ. وَقِيلَ: الْهَنِيءُ الَّذِي يَلَذُّهُ الْآكِلُ وَالْمَرِيءُ مَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ. وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ يَجُوزُ كَوْنُهُمَا ترشيحا لاستعارة فَكُلُوهُ بِمَعْنَى خُذُوهُ أَخْذَ مِلْكٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُمَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فِي انْتِفَاءِ التَّبِعَةِ عَنِ الْأَزْوَاجِ فِي أَخْذِ مَا طَابَتْ لَهُمْ بِهِ نُفُوسُ أَزْوَاجِهِمْ، أَيْ حَلَالًا مُبَاحًا، أَوْ حَلَالًا لَا غُرْمَ فِيهِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 232
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست