responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 231
الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قُصِدَ مِنْهُ الْمُعَاشَرَةُ، وَإِيجَادُ آصِرَةٍ عَظِيمَةٍ، وَتَبَادُلُ حُقُوقٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَتِلْكَ أَغْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَلَوْ جُعِلَ لَكَانَ عِوَضُهَا جَزِيلًا وَمُتَجَدِّدًا بِتَجَدُّدِ الْمَنَافِعِ، وَامْتِدَادِ أَزْمَانِهَا، شَأْنُ الْأَعْوَاضِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ هَدِيَّةً وَاجِبَةً عَلَى الْأَزْوَاجِ إِكْرَامًا لِزَوْجَاتِهِمْ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّهُ الْفَارِقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ الْمُخَادَنَةِ وَالسِّفَاحِ، إِذْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي الْبَشَرِ اخْتِصَاصَ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ تَكُونُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، فَكَانَ هَذَا الِاخْتِصَاصُ يُنَالُ بِالْقُوَّةِ، ثُمَّ اعْتَاضَ النَّاسُ عَنِ الْقُوَّةِ بَذْلَ الْأَثْمَانِ لأولياء النِّسَاء ببيعهم بناتهم ومولياتهم، ثُمَّ ارْتَقَى التَّشْرِيعُ وَكَمُلَ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَصَارَتِ الْمَرْأَةُ حَلِيلَةَ الرَّجُلِ شريكته فِي شؤونه وَبَقِيَتِ الصَّدُقَاتُ أَمَارَاتٍ عَلَى ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ الْقَدِيمِ تُمَيِّزُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْمُعَاشَرَةِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا وَعَادَةً، وَكَانَتِ الْمُعَاشَرَةُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النِّكَاحِ خَالِيَةً عَنْ بَذْلِ الْمَالِ لِلْأَوْلِيَاءِ إِذْ كَانَتْ تَنْشَأُ عَنِ الْحُبِّ أَوِ الشَّهْوَةِ مِنَ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى انْفِرَادٍ وَخُفْيَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَمِنْ ذَلِكَ الزِّنَى الْمُوَقَّتُ، وَمِنْهُ الْمُخَادَنَةُ، فَهِيَ زِنًا مُسْتَمِرٌّ، وَأَشَارَ
إِلَيْهَا الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ [النِّسَاء: 25] وَدُونَ ذَلِكَ الْبِغَاءُ وَهُوَ الزِّنَا بِالْإِمَاءِ بِأُجُورٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ النَّهْيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا [النُّور: 33] وَهُنَالِكَ مُعَاشَرَاتٌ أُخْرَى، مِثْلُ الضِّمَادِ وَهُوَ أَنْ تَتَّخِذَ ذَاتُ الزَّوْجِ رَجُلًا خَلِيلًا لَهَا فِي سَنَةِ الْقَحْطِ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا مَعَ نَفَقَةِ زَوْجِهَا. فَلِأَجْلِ ذَلِكَ سَمَّى اللَّهُ الصَّدَاقَ نِحْلَةً، فَأَبْعَدَ الَّذِينَ فَسَّرُوهَا بِلَازِمِ مَعْنَاهَا فَجَعَلُوهَا كِنَايَةً عَنْ طِيبِ نَفْسِ الْأَزْوَاجِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ بِإِيتَاءِ الصَّدُقَاتِ، وَالَّذِينَ فَسَّرُوهَا بِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ فَرَضَهَا لَهُنَّ، وَالَّذِينَ فَسَّرُوهَا بِمَعْنَى الشَّرْعِ الَّذِي يُنْتَحَلُ أَيْ يُتَّبَعُ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً الْآيَةَ أَيْ فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُنَّ لَكُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَيِ الْمَذْكُورِ. وَأَفْرَدَ ضَمِيرَ «مِنْهُ» لِتَأْوِيلِهِ بِالْمَذْكُورِ حَمْلًا عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِمَّا أَنْ تَقُولَ: كَأَنَّهَا إِنْ أَرَدْتَ الْخُطُوطَ، وَإِمَّا أَنْ تَقُولَ: كَأَنَّهُمَا إِنْ أَرَدْتَ السَّوَادَ وَالْبَلَقَ فَقَالَ: أَرَدْتُ كَأَنَّ ذَلِكَ، وَيْلَكَ!! أَيْ أَجْرَى الضَّمِيرَ كَمَا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست