responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 23
لَا زَادَ لَهُ وَيَسْتَطِيعُ الِاحْتِرَافَ فِي طَرِيقِهِ:
فَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُزْرِي فَلْيُسَافِرْ وَيَكْتَسِبْ فِي طَرِيقِهِ، وَقَالَ بِمِثْلِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ. وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهِيَةَ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ لِلْحَجِّ إِلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ طَرِيقًا غَيْرَهُ كَأَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ [الْحَج: 27] وَلَمْ أَجِدْ لِلْبَحْرِ ذِكْرًا. قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا تَأْنِيسٌ مِنْ مَالِكٍ وَلَيْسَتِ الْآيَةُ بِالَّتِي تَقْتَضِي سُقُوطَ سَفَرِ الْبَحْرِ. وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ»
وَهَلِ الْجِهَادُ إِلَّا عِبَادَةٌ كالحجّ، وَكره ماك لِلْمَرْأَةِ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ كَشَفَةٌ لَهَا، وَكُلُّ هَذَا إِذَا كَانَتِ السَّلَامَةُ هِيَ الْغَالِبَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزِ الْإِلْقَاءُ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَحَالُ سَفَرِ الْبَحْرِ الْيَوْمَ أَسْلَمُ مِنْ سَفَرِ الْبَرِّ إِلَّا فِي أَحْوَالٍ عَارِضَةٍ فِي الْحُرُوبِ إِذَا شَمِلَتِ الْبِحَارَ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أَنَّ الْخِطَابَ بِالْحَجِّ وَالِاسْتِطَاعَةَ لِلْمَرْءِ
فِي عَمَلِهِ لَا فِي عَمَلِ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ فِي الْحَيَاةِ لِعُذْرٍ، فَالْعَاجِزُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ عِنْدَهُ وَلَمْ يَرَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَجَّ التَّطَوُّعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنَ الْحَجِّ وَكَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَسْتَأْجِرُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، صَارَ قَادِرًا فِي الْجُمْلَةِ، فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَاحْتَجَّ
بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ سَأَلَتِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهُ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى
. وَأَجَابَ عَنْهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ أَجَابَهَا بِمَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى طَاعَةِ أَبِيهَا، وَطَاعَةِ رَبِّهَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ الْمُبَارك. لَا تجزىء إلّا إنابة الْأُجْرَة دُونَ إِنَابَةِ الطَّاعَةِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 23
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست