responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 201
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَمَا فَائِدَةُ سُؤَالِهِمْ ذَلِكَ فِي دُعَائِهِمْ؟ قُلْتُ: لَهُ وُجُوه: أَحدهَا: أَنَّهُمْ سَأَلُوا ذَلِكَ لِيَكُونَ حُصُولُهُ أَمَارَةً
عَلَى حُصُولِ قَبُولِ الْأَعْمَالِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِمَا سَأَلُوهُ فَقَدْ يَظُنُّونَ أَنْفُسَهُمْ آتِينَ بِمَا يُبَلِّغُهُمْ تِلْكَ الْمَرْتَبَةَ وَيَخْشَوْنَ لَعَلَّهُمْ قَدْ خَلَطُوا أَعْمَالَهُمُ الصَّالِحَةَ بِمَا يُبْطِلُهَا، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي مَجِيءِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِمْ: وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا دُونَ الْفَاءِ إِذْ جَعَلُوهُ دَعْوَةً مُسْتَقِلَّةً لِتَتَحَقَّقَ وَيَتَحَقَّقَ سَبَبُهَا، وَلَمْ يَجْعَلُوهَا نَتِيجَةَ فِعْلٍ مَقْطُوعٍ بِحُصُولِهِ. وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ بَعْدُ: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ [آل عمرَان: 195] مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا هُنَا عَدَمَ إِضَاعَةِ أَعْمَالِهِمْ.
الثَّانِي: قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : أَرَادُوا طَلَبَ التَّوْفِيقِ إِلَى أَسْبَابِ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ عَلَى رُسُلِهِ. فَالْكَلَامُ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ مِنَ التَّوْفِيقِ لِلْأَعْمَالِ الْمَوْعُودِ عَلَيْهَا.
الثَّالِثُ: قَالَ فِيهِ مَا حَاصِلُهُ: أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ حَتَّى لَا يَظْهَرُوا بِمَظْهَرِ الْمُسْتَحِقِّ لِتَحْصِيلِ الْمَوْعُودِ بِهِ تَذَلُّلًا، أَيْ كَسُؤَالِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الْمَغْفِرَةَ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُمْ.
الرَّابِعُ: أَجَابَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفرق (273) بأنّهم سَأَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ حُصُولَهُ مَشْرُوطٌ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ هَذَا بِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا قَبْلَهُ قَوْلَهُمْ: وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَقْتَضِي قَصْرَ الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَأَعَادُوا سُؤَالَ النَّجَاةِ مِنْ خِزْيِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَوْعُودَ الَّذِي سَأَلُوهُ هُوَ النَّصْرَ عَلَى الْعَدُوِّ خَاصَّةً، فَالدُّعَاءُ بِقَوْلِهِمْ:
وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ مَقْصُودٌ مِنْهُ تَعْجِيلُ ذَلِكَ لَهُمْ، يَعْنِي أَنَّ الْوَعْدَ كَانَ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ إِذَا دَعَا بِهَذَا فَإِنَّمَا يَعْنِي أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ مِمَّنْ يَرَى مِصْدَاقَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى خَشْيَةَ أَنْ يَفُوتَهُمْ. وَهَذَا كَقَوْلِ خَبَّابِ بن الْأَرَتِّ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيءِ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، وَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً» إِلَخْ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 201
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست