responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 200
وَأَرَادُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا كَانَ فِيهِ حَقُّ النَّاسِ، فَلِذَلِكَ سَأَلُوا تَكْفِيرَهَا عَنْهُمْ. وَقِيلَ هُوَ مُجَرَّدُ تَأْكِيدٍ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَقِيلَ أَرَادُوا مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرَ وَمِنَ السَّيِّئَاتِ الصَّغَائِرَ لِأَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّنْبَ أَدَلُّ عَلَى الْإِثْمِ مِنَ السَّيِّئَةِ.
وَسَأَلُوا الْوَفَاةَ مَعَ الْأَبْرَارِ، أَيْ أَنْ يَمُوتُوا عَلَى حَالَةِ الْبِرِّ، بِأَنْ يُلَازِمَهُمُ الْبِرُّ إِلَى الْمَمَاتِ وَأَنْ لَا يَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ، فَإِذَا مَاتُوا كَذَلِكَ مَاتُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَبْرَارِ. فَالْمَعِيَّةُ هُنَا مَعِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ، وَهِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الْحَالَةِ الْكَامِلَةِ، وَالْمَعِيَّةُ مَعَ الْأَبْرَارِ أَبْلَغُ فِي الِاتِّصَافِ بِالدَّلَالَةِ، لِأَنَّهُ بِرٌّ يُرْجَى دَوَامُهُ وَتَزَايُدُهُ لِكَوْنِ صَاحِبِهِ ضِمْنُ جَمْعٍ يَزِيدُونَهُ إِقْبَالًا عَلَى الْبِرِّ بِلِسَانِ الْمَقَالِ وَلِسَانِ الْحَالِ.
ولمّا سَأَلُوا أَسبَاب الْمَثُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَرَقَّوْا فِي السُّؤَالِ إِلَى طَلَبِ تَحْقِيقِ الْمَثُوبَةِ، فَقَالُوا: وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ.
وَتَحْتَمِلُ كَلِمَةُ (عَلَى) أَنْ تَكُونَ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الْوَعْدِ، وَمَعْنَاهَا التَّعْلِيلُ فَيَكُونُ الرُّسُلُ هُمُ الْمَوْعُودُ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى الْوَعْدِ عَلَى الرُّسُلِ أَنَّهُ وَعْدٌ عَلَى تَصْدِيقِهِمْ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ (عَلَى) ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا، أَيْ وَعْدًا كَائِنًا عَلَى رُسُلِكَ أَيْ، مُنَزَّلًا عَلَيْهِمْ، وَمُتَعَلِّقُ الْجَارِّ فِي مِثْلِهِ كَوْنٌ غَيْرُ عَامٍّ بَلْ هُوَ كَوْنٌ خَاصٌّ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ إِذَا قَامَتِ الْقَرِينَةُ، وَمَعْنَى (عَلَى) حِينَئِذٍ الِاسْتِعْلَاءُ الْمَجَازِيُّ، أَوْ تُجْعَلُ (عَلَى) ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا حَالًا مِنْ مَا وَعَدْتَنا أَيْضًا، بِتَقْدِيرِ كَوْنٍ عَامٍّ لَكِنْ مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ إِلَى رُسُلِكَ، أَيْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ.
وَالْمَوْعُودُ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ أَوْ عَلَى التَّصْدِيقِ بِهِمُ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَثَوَابُ الدُّنْيَا: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ [آل عمرَان: 148] وَقَوْلِهِ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النُّور:
55] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الْأَنْبِيَاء: 105] . وَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ فِي قَوْلِهِ: عَلى رُسُلِكَ خُصُوصُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ وَصْفُ «رُسُلٍ» تَعْظِيمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إِبْرَاهِيم: 47] . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ [الْفرْقَان: 37] .

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 200
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست