responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 112
مَعْنًى إِلَّا ترتّب مَضْمُون
المعطوفة عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا، تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، فَالْفَاءُ حِينَئِذٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، كَشَأْنِهَا مَعَ حُرُوفِ الْعَطْفِ، وَالْمَعْنَى تَرَتُّبُ إِنْكَار أَن ينقبلوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ عَلَى تَحَقَّقَ مَضْمُونُ جملَة الْقصر: لأنّه إِذا تحقّق مَضْمُون جُمْلَةِ الْقَصْرِ، وَهُوَ قَلْبُ الِاعْتِقَادِ أَوْ إِفْرَادُ أَحَدِ الِاعْتِقَادَيْنِ، تَسَبَّبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ انْقِلَابُهُمْ عَلَى الْأَعْقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ أَمْرًا مُنْكَرًا جَدِيرًا بِعَدَمِ الْحُصُولِ، فَكَيْفَ يَحْصُلُ مِنْهُمْ، وَهَذَا الْحُكْمُ يُؤَكِّدُ مَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ الْقَصْرِ، مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ خِلَافَ مَضْمُونِ جُمْلَةِ الْقَصْرِ، فَقَدْ حَصَلَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا بِالتَّعْرِيضِ الْمُسْتَفَادِ، مِنْ جُمْلَةِ الْقَصْرِ، وَالْأُخْرَى بِالتَّصْرِيحِ الْوَاقِعِ فِي هَاتِهِ الْجُمْلَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ تَسَبُّبِ الِانْقِلَابِ عَلَى خُلُوِّ الرَّسُولِ، وَهُوَ التَّسَبُّبُ الْمُفَادُ مِنَ الْفَاءِ أَيْ إِنْكَارُ مَجْمُوعِ مَدْلُولِ الْفَاءِ وَمَدْلُولِ مَدْخُولِهَا مثل إِنْكَار الترتّب وَالْمُهْلَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَثُمَّ إِذا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ [يُونُس: 51] وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
أَثُمَّ تَعَذَّرَانِ إِلَيَّ مِنْهَا ... فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ وَقَدْ رَأَيْتُ
بِأَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ جَعْلَهُمْ خُلُوَّ الرُّسُلِ قَبْلَهُ سَبَبًا لِارْتِدَادِهِمْ عِنْدَ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ. وَعَلَى هَذَا فَالْهَمْزَةُ غَيْرُ مُقَدَّمَةٍ مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى فَاءِ السَّبَبِيَّةِ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عِلْمُهُمْ بِخُلُوِّ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ- مَعَ بَقَاءِ أَتْبَاعِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ- سَبَبًا لِانْقِلَابِ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا خُلُوَّ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ مَعَ بَقَاءِ مِلَلِهِمْ، وَلَمْ يَجْرُوا عَلَى مُوجَبِ عِلْمِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ جعلُوا علمهمْ بذلك سَبَبًا فِي تَحْصِيلِ نَقِيضِ أَثَرِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا يَعْرِضُ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْجَدَلِيِّ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ تَكَلُّفٌ وَتَدْقِيقٌ كَثِيرٌ.
وَذَهَبَ جمَاعَة إِلَى أنّ الْفَاء لمجرّد التّعقيب الذِّكْرِيِّ، أَوِ الِاسْتِئْنَافِ، وَأَنَّهُ عَطْفُ إِنْكَارٍ تَصْرِيحِيٍّ عَلَى إِنْكَارٍ تَعْرِيضِيٍّ، وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ سَهْلًا غير أنّه يفيت خُصُوصِيَّةَ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ دُونَ غَيْرِهَا، عَلَى أَنَّ شَأْنَ الْفَاءِ الْمُفِيدَةِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 112
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست