responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 111
وَهَذَا الْكَلَامُ مَسُوقٌ لِرَدِّ اعْتِقَادِ مَنْ يَعْتَقِدُ انْتِفَاءَ خُلُوِّ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لِأَحَدٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا صَدَرَ عَنْهُمْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ أَثَرًا لِهَذَا الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ عَزْمُهُمْ عَلَى تَرْكِ نُصْرَةِ الدِّينِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِلْعَدُوِّ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِأَنْ يُنَزَّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْتَقِدُ انْتِفَاءَ خُلُوِّ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ، حَيْثُ يَجِدُونَ أَتْبَاعَهُمْ ثَابِتِينَ عَلَى مِلَلِهِمْ حَتَّى الْآنَ فَكَانَ حَالُ الْمُخَاطَبِينَ حَالَ مَنْ يَتَوَهَّمُ التَّلَازُمَ بَيْنَ بَقَاءِ الْمِلَّةِ وَبَقَاءِ رَسُولِهَا، فَيَسْتَدِلُّ بِدَوَامِ الْمِلَّةِ عَلَى دَوَامِ رَسُولِهَا، فَإِذَا هَلَكَ رَسُولُ مِلَّةٍ ظَنُّوا انْتِهَاءَ شَرْعِهِ وَإِبْطَالَ اتِّبَاعِهِ.
فَالْقَصْرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَصْرُ قَلْبٍ، وَهُوَ قَلْبُ اعْتِقَادِهِمْ لَوَازِمَ ضِدَّ الصِّفَةِ الْمَقْصُورِ عَلَيْهَا، وَهِيَ خُلُوُّ الرُّسُلِ قَبْلَهُ، وَتِلْكَ اللَّوَازِمُ هِيَ الْوَهَنُ وَالتَّرَدُّدُ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى نَشْرِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، وَبِهَذَا يُشْعِرُ كَلَامُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» .
وَجَعَلَ السَّكَّاكِيُّ الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ هُوَ وَصْفُ الرِّسَالَةِ فَيَكُونُ مَحَطُّ الْقَصْرِ هُوَ قَوْلُهُ:
«رَسُولٌ» دُونَ قَوْلِهِ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَيَكُونُ الْقَصْرُ قَصْرَ إِفْرَادٍ بِتَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ مَنِ اعْتَقَدَ وَصْفَهُ بِالرِّسَالَةِ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنِ الْهَلَاكِ، حِينَ رَتَّبُوا عَلَى ظَنِّ مَوْتِهِ ظُنُونًا لَا يَفْرِضُهَا إِلَّا مَنْ يَعْتَقِدُ عِصْمَتَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِئْنَافًا لَا صِفَةً، وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي اسْتِبْعَادَ خَبَرِ مَوْتِهِ، بَلْ هُمْ ظَنُّوهُ صِدْقًا.
وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ نُزِّلَ الْمُخَاطَبُونَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَجْهَلُ قَصْرَ الْمَوْصُوفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَيُنْكِرُهُ، فَلِذَلِكَ خُوطِبُوا بِطَرِيقِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، الَّذِي كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي خِطَابِ مَنْ يَجْهَلُ الْحُكْمَ الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ وَيُنْكِرُهُ دُونَ طَرِيقٍ، إِنَّمَا كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» .
وَقَوْلُهُ: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ إِلَخْ ... وَالْفَاءُ لِتَعْقِيبِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ، وَلَمَّا كَانَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ إِنْشَاءَ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ عَلَى مَضْمُونِهَا، وَهُوَ الشَّرْطُ وَجَزَاؤُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْقِيبِ الْمُفَادِ مِنْ فَاءِ الْعَطْفِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست