responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 715
مُتَعَلِّقِهِ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْأَمْنِ مَا يَصِحُّ اتِّصَافُهُ بِالْخَوْفِ وَهُوَ ذُو الْإِدْرَاكِيَّةِ، فَالْإِخْبَارُ بِآمِنًا عَنِ الْبَلَدِ إِمَّا بِجَعْلِ وَزْنِ فَاعِلٍ هُنَا لِلنِّسْبَةِ بِمَعْنَى ذَا أَمْنٍ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
كَلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبٍ أَيْ ذِي نَصَبٍ، وَإِمَّا عَلَى إِرَادَةِ آمِنًا أَهْلُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِمُلَابَسَةِ الْمَكَانِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ دُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ أَرْضًا فِيهَا بَيْتٌ أَوْ بَيْتَانِ. فَالتَّقْدِيرُ فِي الْكَلَامِ
اجْعَلْ هَذَا الْمَكَانَ بَلَدًا آمِنًا أَيْ قَرْيَةَ آمِنَةً فَيَكُونُ دُعَاءً بِأَنْ يَصِيرَ قَرْيَةً وَأَنْ تَكُونَ آمِنَةً.
وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ دُعَائِهِ قَرْيَةً بَنَى أُنَاسٌ حَوْلَهَا وَنَزَلُوا حَذْوَهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ «الْكَشَّافِ» هُنَا وَفِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ كَانَ دُعَاءً لِلْبَلَدِ بِحُصُولِ الْأَمْنِ لَهُ وَأَمَّا حِكَايَةُ دَعْوَتِهِ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [35] بِقَوْلِهِ: اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً فَتِلْكَ دَعْوَةٌ لَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ بَلَدًا.
وَلَقَدْ كَانَتْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ هَذِهِ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ النُّبُوءَةِ فَإِنَّ أَمْنَ الْبِلَادِ وَالسُّبُلِ يَسْتَتْبِعُ جَمِيعَ خِصَالِ سَعَادَةِ الْحَيَاةِ وَيَقْتَضِي الْعَدْلَ وَالْعِزَّةَ وَالرَّخَاءَ إِذْ لَا أَمْنَ بِدُونِهَا، وَهُوَ يَسْتَتْبِعُ التَّعْمِيرَ وَالْإِقْبَالَ عَلَى مَا يَنْفَعُ وَالثَّرْوَةَ فَلَا يَخْتَلُّ الْأَمْنُ إِلَّا إِذَا اخْتَلَتِ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَإِذَا اخْتَلَّ اخْتَلَّتِ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَيْسِيرَ الْإِقَامَةِ فِيهِ عَلَى سُكَّانِهِ لِتَوْطِيدِ وَسَائِلِ مَا أَرَادَهُ لِذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ كَوْنِهِ مَنْبَعَ الْإِسْلَامِ.
وَالثَّمَرَاتُ جَمْعُ ثَمَرَةٍ وَهِيَ مَا تَحْمِلُ بِهِ الشَّجَرَةُ وَتُنْتِجُهُ مِمَّا فِيهِ غِذَاءٌ لِلْإِنْسَانِ أَوْ فَاكِهَةٌ لَهُ، وَكَأَنَّ اسْمَهُ مُنْتَسِبٌ مِنِ اسْمِ التَّمْر بِالْمُثَنَّاةِ فَإِنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ يُرِيدُونَ بِالثَّمَرِ بِالْمُثَلَّثَةِ التَّمْرَ الرَّطْبَ وَبِالْمُثَنَّاةِ التَّمْرَ الْيَابِسَ.
وَلِلثَّمَرَةِ جُمُوعٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَهِيَ ثَمَرٌ بِالتَّحْرِيكِ وَثِمَارٌ، وَثُمُرٌ، بِضَمَّتَيْنِ، وَأَثْمَارٌ، وَأَثَامِيرُ، قَالُوا: وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَكَمَةً جُمِعَتْ عَلَى أَكَمٍ وَإِكَامٍ وَأُكُمٍ وَآكَامٍ وَأَكَامِيمِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الثَّمَرَاتِ تَعْرِيفُ الِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ أَيْ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَاتِ الْمَعْرُوفَةِ لِلنَّاسِ وَدَلِيلُ كَوْنِهِ تَعْرِيفَ الِاسْتِغْرَاقِ مَجِيءُ مِنْ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ، وَفِي هَذَا دُعَاءٌ لَهُمْ بِالرَّفَاهِيَةِ حَتَّى لَا تَطْمَحَ نُفُوسُهُمْ لِلِارْتِحَالِ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِ أَهْلَهُ يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ لِأَنَّ أَهْلَهُ عَامٌّ إِذْ هُوَ اسْمُ جَمْعٍ مُضَافٍ وَبَدَلُ الْبَعْضِ مُخَصَّصٌ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 715
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست