responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 714
بِالْيَدِ لِأَنَّ تَمْيِيزَهُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ مُغْنٍ عَنِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِشَارَةِ حِينَئِذٍ وَاضِحٌ.
وَأَصْلُ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِهَا عَنْ زِيَادَةِ تَبْيِينِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ تَبْيِينًا لَفْظِيًّا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بَيَانٌ، وَقَدْ يَزِيدُونَ الْإِشَارَةَ بَيَانًا فَيَذْكُرُونَ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ اسْمًا يُعْرَبُ عَطْفَ بَيَانٍ أَوْ بَدَلًا مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قُصِدَ اسْتِحْضَارُهُ مِنْ بَعْضِ أَوْصَافِهِ كَقَوْلِكَ هَذَا الرَّجُلُ يَقُولُ كَذَا، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ إِنْ تَرَكْتَ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ اعْتِمَادًا عَلَى حُضُورِ
الْمُرَادِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَقَدْ عَدَلَ هُنَا عَنْ بَيَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ اكْتِفَاءً عَنْهُ بِمَا هُوَ الْوَاقِع عِنْدِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ دَعَا دَعْوَتَهُ وَهُوَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي بَنَى فِيهِ الْكَعْبَةَ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَيْسَ تَفْصِيلَ حَالَةِ الدُّعَاءِ إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ وَفَضِيلَةِ مَحَلِّ الدَّعْوَةِ وَجَعْلِ مَكَّةَ بَلَدًا آمِنًا وَرِزْقِ أَهْلِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَتِلْكَ عَادَةُ الْقُرْآنِ فِي الْإِعْرَاضِ عَمَّا لَا تَعَلُّقَ بِهِ بِالْمَقْصُودِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْبَلَدَ مَفْعُولًا ثَانِيًا اسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَفِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [35] لَمَّا جَعَلَ آمِناً مَفْعُولًا ثَانِيًا بَيَّنَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بِلَفْظِ (الْبَلَدِ) ، فَحَصَلَ مِنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ دَعَا لِبَلَدٍ بِأَنْ يَكُونَ آمِنًا.
وَالْبَلَدُ الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُتَحَيِّزِ عَامِرًا أَوْ غَامِرًا، وَهُوَ أَيْضًا الْأَرْضُ مُطْلَقًا، قَالَ صَنَّانٌ الْيَشْكُرِيُّ:
لَكِنَّهُ حَوْضُ مَنْ أَوْدَى بِإِخْوَتِهِ ... رَيْبُ الْمَنُونِ فَأَضْحَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
يُرِيدُ بَيْضَةَ النَّعَامِ فِي أُدْحِيِّ النَّعَامِ أَيْ مَحَلِّ بَيْضِهِ، وَيُطْلَقُ الْبَلَدُ عَلَى الْقَرْيَةِ الْمُكَوَّنَةِ مِنْ بُيُوتٍ عِدَّةٍ لِسُكْنَى أَهْلِهَا بِهَا وَهُوَ إِطْلَاقٌ حَقِيقِيٌّ هُوَ أَشْهَرُ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَلَدِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُتَّسِعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ الْمَحْكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَقَرَّى مَكَّةُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهَا إِلَّا بَيْتُ إِسْمَاعِيلَ أَوْ بَيْتٌ أَوْ بَيْتَانِ آخَرَانِ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْتَدَأَ عِمَارَتَهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ مِنْ حَجَرٍ، وَلِأَنَّ إِلْهَامَ اللَّهِ إِيَّاهُ لِذَلِكَ لِإِرَادَتِهِ تَعَالَى مَصِيرَهَا مَهِيعَ الْحَضَارَةِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ إِرْهَاصًا لِنُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ كَانَ مَأْهُولًا بِسُكَّانٍ وَقْتَ مَجِيءِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتِهِ وَابْنِهِ، وَالْعَرَبُ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ عَشَائِرُ مِنْ جُرْهُمٍ وَقُطُورَا وَالْعَمَالِقَةِ وَالْكَرْكَرِ فِي جِهَاتِ أَجْيَادَ وَعَرَفَاتَ.
وَالْآمِنُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَمِنَ ضِدُّ خَافَ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الْخَوْفِ مِنْ عَدْوٍ وَمِنْ قِتَالٍ وَذَلِكَ مَا مَيَّزَ اللَّهُ مَكَّةَ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْأَمْنُ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ مُطْلَقًا فَتَعَيَّنَ ذِكْرُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 714
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست