responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 545
ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِوُقُوعِ الْمَسْخِ فِي الْأَجْسَامِ اتَّفَقُوا أَوْ كَادُوا عَلَى أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَنَاسَلُ
وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ يُهْلِكِ اللَّهُ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا»
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَوَّزَ تَنَاسُلَ الْمَمْسُوخِ وَزَعَمُوا أَنَّ الْفِيلَ وَالْقِرْدَ وَالضَّبَّ وَالْخِنْزِيرَ مِنَ الْأُمَمِ الْمَمْسُوخَةِ وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُ ذَلِكَ فِي الضَّبِّ قَالَ أَحَدُ بَنِي سُلَيْمٍ وَقَدْ جَاءَ لِزَوْجِهِ بِضَبٍّ فَأَبَتْ أَنْ تَأْكُلَهُ:
قَالَتْ وَكُنْتَ رَجُلًا فَطِينًا ... هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ إِسْرَائِينَا
حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِحُرْمَةِ أَكْلِ الْفِيلِ وَنَحْوِهِ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ أَنَّ أَصْلَهُ نَسْلٌ آدَمِيٌّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ «وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ أَنَّهُ مَمْسُوخٌ كَالْفِيلِ وَالْقِرْدِ وَالضَّبِّ فَفِي الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالتَّحْرِيمِ لِمَا يُذْكَرُ» أَيْ لِعُمُومِ آيَةِ الْمَأْكُولَاتِ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ «التَّوْضِيحِ» عَنْ مَالِكٍ الْجَوَازَ وَقَدْ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ آخِرِ «صَحِيحِهِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَلَا أُرَاهَا إِلَّا الْفَأْرَ، أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهُ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ»
اهـ. وَقَدْ تَأَوَّلَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ رُشْدٍ فِي «الْبَيَانِ» وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ هَذَا قَالَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اجْتِهَادٍ قَبْلَ أَنْ يُوَقِّفَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يَتَنَاسَلُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قُلْتُ: يُؤَيِّدُ هَذَا أَنه قَالَ عَنِ اجْتِهَادِ
قَوْلِهِ: «وَلَا أُرَاهَا»
. وَلَا شَكَّ أَنْ هَاتِهِ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْحَيَوَانِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْمَسْخِ وَأَنَّ الْمَسْخَ إِلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِهَا وَمَعْرِفَةِ النَّاسِ بِهَا.
وَهَذَا الْأَمْرُ التَّكْوِينِيُّ كَانَ لِأَجْلِ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَا اجْتَرَءُوا مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِالْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ حَتَّى تَحَيَّلُوا عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى بِالْحِيَلِ عَلَى تَجَاوُزِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ فَإِنَّ شَرَائِعَ اللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعَةٌ لِمَصَالِحٍ وَحِكَمٍ فَالتَّحَيُّلُ عَلَى خَرْقِ تِلْكَ الْحِكَمِ بِإِجْرَاءِ الْأَفْعَالِ عَلَى صُوَرٍ مَشْرُوعَةٍ مَعَ تَحَقُّقِ تَعْطِيلِ الْحِكْمَةِ مِنْهَا جَرَاءَةً، عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ يَنْتَحِلُ جَوَازَ الْحِيَلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ [ص: 44] لِأَنَّ تِلْكَ فَتْوَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيءٍ لِتَجَنُّبِ الْحِنْثِ الَّذِي قَدْ يُتَفَادَى عَنْهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ أَصْلَ الْحِنْثِ لِنَبِيِّهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَأَفْتَاهُ بِمَا قَالَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى حِكْمَةِ اجْتِنَابِ الْحِنْثِ لِأَنَّ فِيهُُِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 545
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست