responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 511
يَكُونُ مُوجِبُ التَّعْقِيبِ فِيهَا هُوَ السَّبَبِيَّةَ وَلَوْ عُرْفًا وَلَوِ ادِّعَاءً فَلَيْسَ خُرُوجُ الْفَاءِ عَنِ التَّرَتُّبِ هُوَ الْمَجَازَ بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْفَاءِ الْعَاطِفَةِ هُوَ التَّرْتِيبُ وَالتَّعْقِيبُ فَقَطْ أَنَّ بَعْضَ الْبَيَانِيِّينَ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا [الْقَصَص: 8] اللَّامُ فِيهِ مُسْتَعَارَةٌ لِمَعْنَى فَاءِ التَّعْقِيبِ أَيْ فَكَانَ لَهُمْ عَدُوًّا فَجَعَلُوا الْفَاءَ حَقِيقَةً فِي التَّعْقِيبِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَسَاوَتِ اللَّامَ فَلَمْ تَسْتَقِمِ الِاسْتِعَارَةُ فَيَكُونُ الْوَجْهُ الْحَامِلُ لِلزَّمَخْشَرِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ مُقْتَرِنًا بِالْفَاءِ هُوَ أَنَّهُ رَأَى عَطْفَ الظُّلْمِ عَلَى وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَمَا بَعْدَهُ بِالْوَاوِ وَلَا يَحْسُنُ لِعَدَمِ الْجِهَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الِامْتِنَانِ وَالذَّمِّ وَالْمُنَاسَبَةُ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْوَصْلِ بِالْوَاوِ بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ، فَتَعَيَّنَ إِمَّا تَقْدِيرُ ظَلَمُوا مُسْتَأْنَفًا بِدُونِ عَطْفٍ وَظَاهَرٌ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ مَعْنًى عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَإِمَّا رَبْطُ ظَلَمُوا بِعَاطِفٍ سِوَى الْوَاوِ وَلَيْسَ يَصْلُحُ هُنَا غَيْرُ الْفَاءِ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ حَصَلَ عَقِبَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ التَّعَاقُبُ فِي الْخَارِجِ مُغْنِيًا عَنِ الْجِهَةِ الْجَامِعَةِ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْفَاءُ لَا تَسْتَدْعِي قُوَّةَ مُنَاسَبَةٍ كَمُنَاسَبَةِ الْوَاوِ وَلَكِنْ مُنَاسِبَةً فِي الْخَيَالِ فَقَطْ وَقَدْ وُجِدَتْ هُنَا لِأَنَّ كَوْنَ الْمَعْطُوفِ حَصَلَ فِي الْخَارِجِ عَقِبَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِمَّا يَجْعَلُهُ حَاضِرًا فِي خَيَالِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قُبْحُ نَحْوِ قَوْلِكَ جَاءَ زَيْدٌ فَصَاحَ الدِّيكُ فَلِقِلَّةِ جَدْوَى هَذَا الْخَبَرِ أَلَا تَرَاهُ يَصِيرُ حَسَنًا لَوْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ فَصَاحَ الدِّيكُ مَعْنَى التَّوْقِيتِ بِالْفَجْرِ فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ لِرَبْطِ الظُّلْمِ الْمُقَدَّرِ بِالْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ إِلَّا الْفَاءُ.
وَفِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ وَالرَّبْطِ وَالتَّصَدِّي لِبَيَانِهِ- مَعَ غَرَابَةِ هَذَا التَّعْقِيبِ- تَعْرِيضٌ بِمَذَمَّتِهِمْ إِذْ قَابَلُوا الْإِحْسَانَ بِالْكُفْرَانِ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِغَبَاوَتِهِمْ إِذْ صَدَفُوا عَنِ الشُّكْرِ كَأَنَّهُمْ يَنْكُونَ
بِالْمُنْعِمِ وَهُمْ إِنَّمَا يُوقِعُونَ النِّكَايَةَ بِأَنْفُسِهِمْ، هَذَا تَفْصِيلُ مَا يُقَالُ عَلَى تَقْدِيرِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» .
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنْ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّقْدِيرِ وَأَنَّ جُمْلَةَ وَما ظَلَمُونا عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهَا فِي أَنَّهَا مِنْ أَحْوَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَثَارُ ذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ مَا تَضَمَّنَتْهُ بَعْضُ الْجُمَلِ الَّتِي سَبَقَتْ مِنْ أَنَّ ظُلْمًا قَدْ حَصَلَ مِنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ [الْبَقَرَة: 51] وَقَوْلِهِ: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ [الْبَقَرَة: 54] وَمَا تضمنه قَوْله: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [الْبَقَرَة: 55] الدَّالُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَذَابٌ جَرُّوهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ كَالْفَذْلَكَةِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمَلُ السَّابِقَةُ نَظِيرَ قَوْله: وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [الْبَقَرَة: 9] عَقِبَ قَوْلِهِ: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [الْبَقَرَة: 9] وَنَظِيرَ قَوْلِهِ: وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [سبأ: 19] بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً [سبأ: 18]

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 511
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست