responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 510
وَأَمَّا السَّلْوَى فَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ وَاحِدَتُهُ سَلْوَاةٌ وَقِيلَ: لَا وَاحِدَ لَهُ وَقِيلَ: وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ طَائِرٌ بَرِّيٌّ لَذِيذُ اللَّحْمِ سَهْلُ الصَّيْدِ كَانَتْ تَسُوقُهُ لَهُمْ رِيحُ الْجَنُوبِ كُلَّ مَسَاءٍ فَيُمْسِكُونَهُ قَبْضًا وَيُسَمَّى هَذَا الطَّائِرُ أَيْضًا السُّمَانَى بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفَةً بَعْدَهَا أَلِفٌ فَنُونٌ مَقْصُورٌ كَحُبَارَى، وَهُوَ أَيْضًا اسْمٌ يَقَعُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَقِيلَ: هُوَ الْجمع وَأما الْفَرد فَهُوَ سُمَانَاةٌ.
وَقَوْلُهُ: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ حِينَ نُزُولِ الْقُرْآنِ لَمْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْخَبَرِ عَنْ أَسْلَافِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَما ظَلَمُونا قَدَّرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مَعْطُوفًا عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ فَظَلَمُوا وَقَرَّرَهُ شَارِحُوهُ بِأَنَّ (مَا ظَلَمُونَا) نَفْيٌ لِظُلْمٍ مُتَعَلِّقٍ بِمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ ضَمِيرُ الْجَلَالَةِ وَهَذَا النَّفْيُ يُفِيدُ فِي الْمَقَامِ الْخِطَابِيِّ أَنَّ هُنَالِكَ ظُلْمًا مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ هَذَا الْمَنْصُوبِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الظُّلْمُ وَاقِعًا لَنُفِيَ مُطْلَقًا بِأَنْ يُقَالَ: وَمَا ظَلَمُوا وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قُدِّرَ فِي «الْكَشَّافِ» الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ مُقْتَرِنًا بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ تُفِيدُ مَعَ التَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ غَالِبًا، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ مُتَسَبِّبَةً عَنِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا فَشَبَّهَ وُقُوعَ ظُلْمِهِمْ حِينَ كَفَرُوا النِّعْمَةَ عَقِبَ الْإِحْسَانِ بِتَرَتُّبِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فِي الْحُصُولِ بِلَا رَيْثٍ وَبِدُونِ مُرَاقَبَةِ ذَلِكَ الْإِحْسَانِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالظُّلْمِ جَزَاءً لِلنِّعْمَةِ، وَرَمَزَ إِلَى لَفْظِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِرَدِيفِهِ وَهُوَ فَاءُ السَّبَبِيَّةِ وَقَرِينَةُ ذَلِكَ مَا يَعْلَمُهُ السَّامِعُ مِنْ أَنَّ الظُّلْمَ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مُسَبَّبًا عَنِ الْإِنْعَامِ عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ أَحْسَنْتُ إِلَى فُلَانٍ فَأَسَاءَ إِلَيَّ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الْوَاقِعَة: 82] أَيْ تَجْعَلُونَ شُكْرَ رِزْقِكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَالْفَاءُ
مَجَازٌ لِغَيْرِ التَّرَتُّبِ عَلَى أُسْلُوبِ قَوْلِكَ: أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ فَكَفَرَ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إِنَّ أَصْلَ مَعْنَى الْفَاءِ الْعَاطِفَةِ التَّرْتِيبُ وَالتَّعْقِيبُ لَا غَيْرَ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُلَازِمُ لَهَا فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِهَا فَإِنَّ الِاطِّرَادَ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا التَّرَتُّبُ أَيِ السَّبَبِيَّةُ فَأَمْرٌ عَارض لَهَا فهومن الْمَجَازِ أَوْ مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوجَدُ تَارَةً وَيَتَخَلَّفُ أُخْرَى فَإِنَّهُ مَفْقُودٌ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو وَفِي كَثِيرٍ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ [ق: 22] فَلِذَلِكَ كَانَ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ حَيْثُمَا اسْتُفِيدَ مُحْتَاجًا إِلَى الْقَرَائِنِ فَإِنْ لَمْ تَتَطَلَّبْ لَهُ عَلَاقَةً قُلْتَ هُوَ مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ تَرَاكِيبٍ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَإِنْ تَطَلَّبْتَ لَهُ عَلَاقَةً- وَهِيَ لَا تَعُوزُكُ- قُلْتَ هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأُمُورِ الْحَاصِلَةِ عَقِبَ غَيْرِهَا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 510
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست