responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 484
فَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى جَمِيعِ أُمَمِ عَصْرِهِمْ وَفِي تِلْكَ الْأُمَمِ أُمَمٌ عَظِيمَةٌ كَالْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ وَفِيهِمُ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ وَدُعَاةُ الْإِصْلَاحِ وَالْأَنْبِيَاءُ لِأَنَّهُ تَفْضِيلُ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ فِي جَمِيعِ الْعُصُورِ، وَمَعْنَى هَذَا التَّفْضِيلِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ
جَمَعَ لَهُمْ مِنَ الْمَحَامِدِ الَّتِي تَتَّصِفُ بِهَا الْقَبَائِلُ وَالْأُمَمُ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ لِغَيْرِهِمْ وَهِيَ شَرَفُ النَّسَبِ وَكَمَالُ الْخُلُقِ وَسَلَامَةُ الْعَقِيدَةِ وَسَعَةُ الشَّرِيعَةِ وَالْحُرِّيَّةُ وَالشَّجَاعَةُ، وَعِنَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ، وَقَدْ أَشَارَتْ إِلَى هَذَا آيَةٌ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [آل عمرَان: 20] وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ ثَبَتَتْ لِأَسْلَافِهِمْ فِي وَقْتِ اجْتِمَاعِهَا وَقَدْ شَاعَ أَنَّ الْفَضَائِلَ تَعُودُ عَلَى الْخَلَفِ بِحُسْنِ السُّمْعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُونُوا بِحَالِ التَّفْضِيلِ عَلَى الْعَالَمِينَ وَلَكِنَّهُمْ ذُكِّرُوا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ فَضَائِلَ الْأُمَمِ لَا يُلَاحَظُ فِيهَا الْأَفْرَادُ وَلَا الْعُصُورُ. وَوَجَّهَ زِيَادَةَ الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ مَرَّ فِي أُخْتهَا الأولى.
[48]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]
وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
عَطَفَ التَّحْذِيرَ عَلَى التَّذْكِيرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَّرَهُمْ بِالنِّعْمَةِ وَخَاصَّةً تَفْضِيلُهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ فِي زَمَانِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ مَنْشَأَ غُرُورِهِمْ بِأَنَّهُ تَفْضِيلٌ ذَاتِيٌّ فَتَوَهَّمُوا أَنَّ التَّقْصِيرَ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا يَضُرُّهُمْ فَعَقَّبَ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّقْوَى هُنَا مَعْنَاهَا الْمُتَعَارَفُ فِي اللُّغَةِ لَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ. وَانْتِصَابُ يَوْماً عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ بِهِ وَلَيْسَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْرَأْ بِغَيْرِ التَّنْوِينِ.
وَالْمُرَادُ بِاتِّقَائِهِ اتِّقَاؤُهُ مِنْ حَيْثُ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالْعَذَابِ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الزَّمَانِ عَلَى مَا يَقَعُ فِيهِ كَمَا تَقُولُ مَكَانٌ مَخُوفٌ.
وتَجْزِي مُضَارِعُ جَزَى بِمَعْنَى قَضَى حَقًّا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ بِعَنْ إِلَى أَحَدِ مَفْعُولَيْهِ فَيَكُونُ شَيْئاً مَفْعُولَهُ الْأَوَّلَ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا إِذَا أُرِيدَ شَيْئًا مِنَ الْجَزَاءِ وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 484
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست