responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 452
الِاسْتِدْلَالِ. وَقَالَ وَلِيُّ الدِّينِ: الْإِضَافَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَدَلُّ عَلَى الْعُمُومِ مِنَ اللَّامِ وَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي «شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ» : دِلَالَةُ الْمُفْرَدِ الْمُضَافِ عَلَى الْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ هُوَ الصَّحِيحُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النُّور: 63] أَيْ كُلِّ أَمْرِهِ وَقَدْ تَأَيَّدَ قَصْدُ عُمُومِ النِّعْمَةِ بِأَنَّ الْمَقَامَ لِلِامْتِنَانِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُنَاسِبُهُ تَكْثِيرُ النِّعَمِ. وَالْمُرَادُ النِّعَمُ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى أَسْلَافِهِمْ وَعَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ زَمَنَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ النِّعْمَةَ عَلَى أَسْلَافِهِمْ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَتَابَعَتِ النِّعَمُ عَلَيْهِمْ إِذْ بَوَّأَهُمْ قُرًى فِي بِلَادِ الْعَرَبِ بَعْدَ أَنْ سُلِبَتْ بِلَادُهُمْ فِلَسْطِينُ وَجَعَلَهُمْ فِي بُحْبُوحَةٍ مِنَ الْعَيْشِ مَعَ الْأَمْنِ وَالثَّرْوَةِ وَمُسَالَمَةِ الْعَرَبِ لَهُمْ.
وَالْأَمْرُ بِذِكْرِ النِّعْمَةِ هَنَا مُرَادٌ مِنْهُ لَازِمُهُ وَهُوَ شُكْرُهَا وَمِنْ أَوَّلِ مَرَاتِبِ الشُّكْرِ تَرْكُ الْمُكَابَرَةِ فِي تَلَقِّي مَا يُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الرِّسَالَةِ بِالنَّظَرِ فِي أَدِلَّتِهَا وَمُتَابَعَةِ مَا يَأْتِي بِهِ الْمُرْسَلُونَ. فَقَوْلُهُ: الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَصْفٌ أُشِيرَ بِهِ إِلَى وُجُوبِ شُكْرِ النِّعَمِ لما يُؤذن الْمَوْصُول وَصِلَتِهِ مِنَ التَّعْلِيلِ فَهُوَ مَنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الْمَائِدَة: 6] وَيُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ أَمْرَهُمْ بِتَفَكُّرِ النِّعَمِ الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْكُم لِيَنْصَرِفُوا بِذَلِكَ عَنْ حَسَدِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ تَذْكِيرَ الْحَسُودِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ النِّعَمِ عِظَةٌ لَهُ وَصَرْفٌ لَهُ عَنِ الْحَسَدِ النَّاشِئِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِنِعَمِ الْغَيْرِ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِهِمْ أَنَّهُمْ حَاسِدُونَ لِلْعَرَبِ فِيمَا أُوتُوا مِنِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتِقَالِ النُّبُوَّةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْعَرَبِ وَإِنَّمَا ذُكِّرُوا بِذَلِكَ لِأَنَّ لِلنَّفْسِ غَفْلَةً عَمَّا هُوَ قَائِمٌ بِهَا وَإِنَّمَا تَشْتَغِلُ بِأَحْوَالِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْحِسَّ هُوَ أَصْلُ الْمَعْلُومَاتِ فَإِذَا رَأَى الْحَاسِدُ نِعَمَ الْغَيْرِ نَسِيَ أَنَّهُ أَيْضًا فِي نِعْمَةٍ فَإِذَا أُرِيدَ صَرْفُهُ عَنِ الْحَسَدِ ذُكِّرَ بِنِعَمِهِ حَتَّى يَخِفَّ حَسَدُهُ فَإِنَّ حَسَدَهُمْ هُوَ الَّذِي حَالَ دُونَ تَصْدِيقِهِمْ بِهِ فَيَكُونُ وِزَانُهُ وِزَانَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النِّسَاء: 54] ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ- بِالْمُعْجَمَةِ- عَلَى التَّحْلِيَةِ- بِالْمُهْمَلَةِ- وَيَكُونُ افْتِتَاحُ خِطَابِهِمْ بِهَذَا التَّذْكِيرِ تَهْيِئَةً لِنُفُوسِهِمْ إِلَى تَلَقِّي الْخِطَابِ بِسَلَامَةِ طَوِيَّةٍ وَإِنْصَافٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي هُوَ فِعْلٌ مَهْمُوزٌ مِنْ (وَفَى) الْمُجَرَّدِ وَأَصْلُ مَعْنَى وَفَى
أَتَمَّ الْأَمْرَ تَقُولُ وَفَيْتُهُ حَقَّهُ، وَلَمَّا كَانَ الْمُجَرَّدُ مُتَعَدِّيًا لِلْمَفْعُولِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَهْمُوزِ زِيَادَةُ تَعْدِيَةٍ لِلتَّسَاوِي بَيْنَ قَوْلِكَ وَفَيْتُهُ حَقَّهُ وَأَوْفَيْتُهُ حَقَّهُ تَعَيَّنَتِ الزِّيَادَةُ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوْفِيَةِ مِثْلَ بَانَ وَأَبَانَ وَشَغَلَ وَأَشْغَلَ وَأَمَّا وَفَّى بِالتَّضْعِيفِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَوْفَى لِأَنَّ فَعَّلَ وَإِنْ شَارَكَ أَفْعَلَ فِي مَعَانِيهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 452
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست