responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 451
إِسْرَائِيلُ لِأَنَّكَ جَاهَدْتَ اللَّهَ وَالنَّاسَ وَقَدَرْتَ. وَبَارَكَهُ هُنَاكَ [1] . فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِسْرَا فِي هَذَا الِاسْمِ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الْأَسْرِ فِي الْحَرْبِ كَمَا هُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ أَصْلِ التَّوْرَاةِ فَهُوَ عَلَى تَأْوِيلِ رُؤْيَا رَآهَا يَعْقُوبُ جَعَلَ اللَّهُ بِهَا لَهُ شَرَفًا أَوْ عَرَضَ لَهُ مَلَكٌ كَذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ يَعْقُوبَ لَهُ اثْنَا عشر ابْنا وهم الْمَشْهُورُونَ بِالْأَسْبَاطِ لِأَنَّهُمْ أَسْبَاطُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَى هَؤُلَاءِ الْأَسْبَاطِ يَرْجِعُ نَسَبُ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْأَسْبَاطِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
واذْكُرُوا أَمْرٌ مِنَ الذِّكْرِ وَهُوَ- أَيِ الذِّكْرُ- بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا يُطْلَقُ عَلَى خُطُورٍ شَيْءٍ بِبَالِ مَنْ نَسِيَهُ وَلِذَلِكَ قِيلَ، وَكَيْفَ يَذْكُرُهُ مَنْ لَيْسَ يَنْسَاهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى النُّطْقِ بِاسْمِ الشَّيْءِ الْخَاطِرِ بِبَالِ النَّاسِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالدَّالِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَنْطِقُ بِاسْمِ الشَّيْءِ إِلَّا إِذَا خَطَرَ بِبَالِهِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ بَيْنَ مَكْسُورِ الذَّالِ وَمَضْمُومِهِ فَجَعَلَ الْمَكْسُورَ لِلِّسَانِيِّ وَالْمَضْمُومَ لِلْعَقْلِيِّ وَلَعَلَّهَا تَفْرِقَةٌ اسْتِعْمَالِيَّةٌ مُوَلَّدَةٌ إِذْ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ تَخْصِيصُهُ أَحَدَ مَصْدَرَيِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ لِأَحَدِ مَعَانِي الْفِعْلِ عِنْدَ التَّعْبِيرِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ اصْطِلَاحِيًّا اسْتِعْمَالِيًّا لَا وَضْعًا حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْمُتَرَادِفِ إِذِ اتِّحَادُ الْفِعْلِ مَانِعٌ مِنْ دَعْوَى تَرَادُفِ الْمَصْدَرَيْنِ فَقَدَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَسَمَّى النَّوْعَيْنِ ذِكْرًا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا الذِّكْرُ الْعَقْلِيُّ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ ذِكْرَ النِّعْمَةِ بِاللِّسَانِ.
وَالْمُرَادُ بِالنِّعْمَةِ هُنَا جَمِيعُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةِ الْإِنْعَامِ عَلَى أَسْلَافِهِمْ فَإِنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَسْلَافِ نِعْمَةٌ عَلَى الْأَبْنَاءِ لِأَنَّهَا سُمْعَةٌ لَهُمْ، وَقُدْوَةٌ يَقْتَدُونَ بِهَا، وَبَرَكَةٌ تَعُودُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، وَصَلَاحُ حَالِهِمُ الْحَاضِرِ كَانَ بِسَبَبِهَا، وَبَعْضُ النِّعَمِ يَكُونُ فِيمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانَ مِنْ فِطْنَةٍ وَسَلَامَةِ ضَمِيرٍ وَتِلْكَ قَدْ تُورَثُ فِي الْأَبْنَاءِ. وَلَوْلَا تِلْكَ النِّعَمُ لَهَلَكَ سَلَفُهُمْ أَوْ لَسَاءَتْ حَالُهُمْ فَجَاءَ أَبْنَاؤُهُمْ فِي شَرِّ حَالٍ. فَيَشْمَلُ هَذَا جَمِيعَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اذْكُرُوا نِعَمِي عَلَيْكُمْ. وَهَذَا الْعُمُومُ مُسْتَفَادٌ مِنْ إِضَافَةِ نِعْمَةٍ إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى إِذِ الْإِضَافَةُ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ اللَّامُ وَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْ مَعَانِي اللَّامِ الْعَهْدُ إِذْ
لَيْسَ فِي الْكَلَامِ نِعْمَةٌ مُعَيَّنَةٌ مَعْهُودَةٌ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَى اللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاسْتِغْرَاقِ فَالْعُمُومُ حَصَلَ مِنْ إِضَافَةِ نِعْمَةٍ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَقَلِيلٌ مِنْ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ مَنْ يَذْكُرُونَ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِالْإِضَافَةِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي «الْمَحْصُولِ» فِي أَثْنَاءِ

[1] انْظُر سفر التكوين إصحاح 32.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 451
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست