responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 444
فَشَمِلَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُخَاطَبِ بِهَا طَوَائِفُ النَّاسِ لِوُقُوعِ (هُدًى) نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَأَوْلَى الْهُدَى وَأَجْدَرُهُ بِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ الْهُدَى الَّذِي أَتَى مِنَ اللَّهِ لِسَائِرِ الْبَشَرِ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ جَمِيعُ بَنِي آدَمَ وَبِذَلِكَ تَهَيَّأَ الْمَوْقِعُ لِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَخْ فَاللَّهُ أَخَذَ الْعَهْدَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَى اتِّبَاعِ الْهُدَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمرَان: 81] الْآيَةَ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ الْبَشَرَ بِمَا يَقْتَرِفُونَهُ مِنَ الضَّلَالِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَهْدِيهِمْ فَأَمَّا فِي تَفَاصِيلِ الشَّرَائِعِ فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَا اخْتِلَافَ وَأَمَّا فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ عُلَمَائِنَا فِي مُؤَاخَذَةِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ عَلَى الْإِشْرَاكِ، وَلَعَلَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهُدَى الْآتِيَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ قَدْ حَصَلَ مِنْ عَهْدِ آدَمَ وَنُوحٍ وَعَرَفَهُ الْبَشَرُ كُلُّهُمْ فَيَكُونُ خِطَابًا ثَابِتًا لَا يَسَعُ الْبَشَرَ ادِّعَاءُ جَهِلِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَقِيلَ لَا، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ نَفْيٌ لِجِنْسِ الْخَوْفِ. وخَوْفٌ مَرْفُوعٌ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ مَبْنَيَا عَلَى الْفَتْحِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي اسْمِ (لَا) النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ وَقَدْ رَوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَاءِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرَّ وَلَا قَرَّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ» . وَبِنَاءُ الِاسْمِ عَلَى الْفَتْحِ نَصٌّ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ وَرَفْعُهُ مُحْتَمِلٌ لِنَفْيِ الْجِنْسِ وَلِنَفْيِ فَرْدٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ فَإِذَا انْتَفَى اللَّبْسُ اسْتَوَى الْوَجْهَانِ كَمَا هُنَا إِذِ الْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ.
وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا قِيلَ لِآدَمَ فَإِكْمَالُ ذِكْرِهِ هُنَا اسْتِيعَابٌ لِأَقْسَامِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَهُوَ يَعُمُّ مَنْ كَذَّبَ
بِالْمُعْجِزَاتِ كُلِّهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْقُرْآنُ، عَطْفٌ عَلَى (مَنْ) الشَّرْطِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ إِلَخْ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ جُمْلَةٍ إِسْمِيَّةٍ عَلَى جُمْلَةٍ إِسْمِيَّةٍ، وَأَتَى بِالْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ غَيْرَ شَرْطِيَّةٍ مَعَ مَا فِي الشَّرْطِيَّةِ مِنْ قُوَّةِ الرَّبْطِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ وَعَدَمِ الِانْفِكَاكِ عَنْهُ لِأَنَّ مَعْنَى التَّرَتُّبِ وَالتَّسَبُّبِ وَعَدَمَ الِانْفِكَاكِ قَدْ حَصَلَ بِطُرُقٍ أُخْرَى فَحَصَلَ مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ بِشَارَةٌ يُؤْذِنُ مَفْهُومُهَا بِنِذَارَةِ مَنْ لَمْ يَتْبَعْهُ فَهُوَ خَائِفٌ حَزِينٌ فَيَتَرَقَّبُ السَّامِعُ مَا يُبَيِّنُ هَذَا الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ فَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الْآيَةَ. وَأَمَّا مَعْنَى التَّسَبُّبِ فَقَدْ حَصَلَ مِنْ تَعْلِيقِ الْخَبَرِ عَلَى الْمَوْصُول وصلته المؤمي إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَعِلَّتِهِ عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ فِي الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ، وَأَمَّا عَدَمُ الِانْفِكَاكِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 444
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست