responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 415
بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ ... إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ
وَقَوْلَ بَعْضِ الْعَرَبِ:
فَغَنِّهَا وَهْيَ لَكَ الْفِدَاءُ ... إِنْ غِنَاءَ الْإِبِلِ الْحُدَاءُ
فَإِنَّهُمَا اسْتَغْنَيَا بِذِكْرِ إِنَّ عَنِ الْفَاءِ، وَإِنَّ خَلَفًا الْأَحْمَرَ لَمَّا سَأَلَ بشارا لماذَا لَمْ يَقُلْ:
«بَكِّرَا فَالنَّجَاحُ فِي التَّبْكِيرِ» أَجَابَهُ بَشَارٌ بِأَنَّهُ أَتَى بِهَا عَرَبِيَّةً بَدَوِيَّةً وَلَوْ قَالَ: «فَالنَّجَاحُ» لَصَارَتْ مِنْ كَلَامِ الْمُوَلَّدِينَ (أَيْ أَجَابَهُ جَوَابًا أَحَالَهُ فِيهِ عَلَى الذَّوْقِ) وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ سَبَبَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ [1] أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ قَوْلِهِ: «إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ» أَنْ يُبَيِّنَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ لِصَاحِبَيْهِ «بَكِّرَا» وَأَنْ يَحْتَجَّ لِنَفْسِهِ فِي الْأَمْرِ بِالتَّبْكِيرِ وَيُبَيِّنَ وَجْهَ الْفَائِدَةِ مِنْهُ» اهـ.
(والعليم) الْكَثِيرُ الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ صِفَةً مُشَبَّهَةً عَلَى تَقْدِيرِ تَحْوِيلِ عَلِمَ- الْمَكْسُورِ اللَّامِ- إِلَى عَلُمَ بِضَمِّ اللَّامِ لِيَصِيرَ مِنْ أَفْعَالِ السَّجَايَا نَحْوَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الرَّحِيمِ وَنَحْنُ فِي غُنْيَةٍ عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ إِذْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى اخْتِلَافٌ فِي أَنَّ وزن فعيل يجيىء لِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ وَإِنَّمَا أَنْشَأَ هَذِهِ التَّمَحُّلَاتِ مَنْ زَعَمُوا أَنَّ فَعِيلًا لَا يَجِيءُ لِلْمُبَالَغَةِ.
(الْحَكِيمُ) فَعِيلٌ مِنْ أَحْكَمَ إِذَا أَتْقَنَ الصُّنْعَ بِأَنْ حَاطَهُ مِنَ الْخَلَلِ. وَأَصْلُ مَادَّةِ حَكَمَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلْمَنْعِ مِنَ الْفَسَادِ وَالْخَلَلِ وَمِنْهُ حَكَمَةُ الدَّابَّةِ (بِالتَّحْرِيكِ) لِلْحَدِيدَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي فَمِ الْفَرَسِ لِتَمْنَعَهُ مِنِ اخْتِلَالِ السَّيْرِ، وَأَحْكَمَ فُلَانٌ فُلَانًا مَنَعَهُ قَالَ جَرِيرٌ:
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ... إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا
وَالْحِكْمَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ ضَبْطُ الْعِلْمِ وَكَمَالُهُ، فَالْحَكِيمُ إِمَّا بِمَعْنَى الْمُتْقِنِ لِلْأُمُورِ كُلِّهَا أَوْ بِمَعْنَى ذِي الْحِكْمَةِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ جَرَى بِوَزْنِ فَعِيلٍ عَلَى غَيْرِ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ وَذَلِكَ مَسْمُوعٌ قَالَ عَمْرو بن معديكرب:
أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعِ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
وَمِنْ شَوَاهِدِ النَّحْوِ مَا أَنْشَدَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَلَمْ يَعْزُهُ:
فَمَنْ يَكُ لَمْ يُنْجِبْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ ... فَإِنَّ لَنَا الْأُمَّ النَّجِيبَةَ وَالْأَبَ
أَرَادَ الْأُمَّ الْمُنْجِبَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَمْ يُنْجِبْ أَبُوهُ وَفِي الْقُرْآنِ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْبَقَرَة: 117] وَوَصْفُُُ

[1] صفحة 232. [.....]
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 415
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست