responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 414
بِمَعْنَى نَزَّهَ فَيَكُونُ كَالْغُفْرَانِ وَالشُّكْرَانِ، وَالْكُفْرَانِ مِنْ غَفَرَ وَشَكَرَ وَكَفَرَ وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ بإضمار فعله ك مَعاذَ اللَّهِ [يُوسُف: 23] وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ نَادِرًا قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُّبْحَانِ» وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا خَصَّصُوهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِجَعْلِهِ كَالْعَلَمِ عَلَى التَّنْزِيهِ عَدَلُوا عَنْ قِيَاسِ اشْتِقَاقِهِ فَصَارَ سُبْحَانَ كَالْعَلَمِ الْجِنْسِيِّ مِثْلَ بَرَّةَ وَفَجَارِ- بِكَسْرِ الرَّاءِ- فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:
فَحَمَلْتُ بَرَّةَ وَاحْتَمَلْتَ فَجَارِ
وَمَنَعُوهُ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَأَمَّا تَرْكُ تَنْوِينِ (سُبْحَانَ) فَلِأَنَّهُ صَارَ عِنْدَهُمْ مَعْرِفَةً وَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا خَبَرٌ مُرَادٌ مِنْهُ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ لَا الْإِخْبَارُ عَنْ حَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُوقِنُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُمْ.
وَلَا أَنَّهُمْ قَصَدُوا لَازِمَ الْفَائِدَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُخْبِرَ عَالِمٌ بِالْخَبَرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاعْتِرَافِ.
ثُمَّ إِنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُلُومَهُمْ مَحْدُودَةٌ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلزِّيَادَةِ فَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَأْمُرُهُمْ، فَلِلْمَلَائِكَةِ عِلْمُ قَبُولِ الْمَعَانِي لَا عِلْمُ اسْتِنْبَاطِهَا.
وَفِي تَصْدِيرِ كَلَامِهِمْ بِسُبْحَانَكَ إِيمَاءٌ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ مُرَاجَعَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [الْبَقَرَة: 30] فَهُوَ افْتِتَاحٌ مِنْ قَبِيلِ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ عَنِ الِاعْتِذَارِ.
وَالِاعْتِذَارُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِقَوْلِهِمْ: لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا لَكِنَّ حُصُولَ ذَلِكَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ دُونَ التَّصْرِيح وَيحصل آخرا لَا ابْتِدَاء فَكَانَ افْتِتَاحُ كَلَامِهِمْ بِالتَّنْزِيهِ تَعْجِيلًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةِ جَانِبِ الْأَدَبِ الْعَظِيمِ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ سَاقُوهُ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِمْ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا لِأَنَّ الْمُحِيطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ الْمُحْكِمَ لِكُلِّ خَلْقٍ إِذَا لَمْ يَجْعَلْ لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ سَبِيلًا إِلَى عِلْمِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِبَلٌ بِعِلْمِهِ إِذِ الْحُصُولُ بِقَدْرِ الْقَبُولِ وَالِاسْتِعْدَادِ أَيْ فَلَا مَطْمَعَ لَنَا فِي تَجَاوُزِ الْعِلْمِ إِلَى مَا لم تهيىء لَنَا عِلْمَهُ بِحَسْبَ فِطْرَتِنَا.
وَالَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَسُوقٌ لِلتَّعْلِيلِ وَلَيْسَ مُجَرَّدَ ثَنَاءٍ هُوَ تَصْدِيرُهُ بِإِنَّ فِي غير مقَام رَدِّ إِنْكَارٍ وَلَا تَرَدُّدٍ.
قَالَ الشَّيْخُ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» [1] وَمِنْ شَأْنِ إِنَّ إِذَا جَاءَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (أَيْ أَنْ تَقَعَ إِثْرَ كَلَامٍ وَتَكُونُ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ) أَنْ تُغْنِيَ غَنَاءَ الْفَاءِ الْعَاطِفَةِ (مَثَلًا) وَأَنْ تُفِيدَ مِنْ رَبْطِ الْجُمْلَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَمْرًا عَجِيبًا فَأَنْتَ تَرَى الْكَلَامَ بِهَا مَقْطُوعًا مَوْصُولًا، وَأَنْشَدَ قَوْلَ بِشَارٍ:

[1] صفحة 197 طبع الْمنَار.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 414
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست