responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 364
لِأَنَّ دَعْوَى قَصْدِ عُمُومِ الشَّرْطِ غَيْرُ بَيِّنَةٍ، فَإِذَا جِيءَ بِأَدَاةِ التَّفْصِيلِ الْمُتَضَمِّنَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَزِيدِ اهْتِمَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ فَأَفَادَ تَقْوِيَةَ الْكَلَامِ الَّتِي سَمَّاهَا الزَّمَخْشَرِيُّ تَوْكِيدًا وَمَا هُوَ إِلَّا دَلَالَةُ الِاهْتِمَامِ بِالْكَلَامِ، عَلَى أَنَّ مَضْمُونَهُ مُحَقَّقٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اهْتَمَّ بِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ فَضْلُ قَوْلِهِ: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ إِلَخْ عَلَى أَنْ يُقَالَ فَالَّذِينَ آمَنُوا يَعْلَمُونَ بِدُونِ أَمَّا وَالْفَاءِ.
وَجَعَلَ تَفْصِيلَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قِسْمَيْنِ لِأَنَّ النَّاسَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّشْرِيعِ وَالتَّنْزِيلِ قِسْمَانِ ابْتِدَاءً مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ هُنَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِثَبَاتِ إِيمَانِهِمْ وَتَأْيِيسِ الَّذِينَ أَرَادُوا إِلْقَاءَ الشَّكِّ عَلَيْهِمْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِذَلِكَ الشَّكِّ.
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا هُنَا إِمَّا خُصُوصُ الْمُشْرِكِينَ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْقُرْآنِ غَالِبًا، وَإِمَّا مَا يَشْمَلُهُمْ وَيَشْمَلُ الْيَهُودَ بِنَاءً عَلَى مَا سَلَفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.
وَإِنَّمَا عَبَّرَ فِي جَانب الْمُؤمنِينَ بيعلمون تَعْرِيضًا بِأَنَّ الْكَافِرِينَ إِنَّمَا قَالُوا مَا قَالُوا عِنَادًا وَمُكَابَرَةً وَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ تَمْثِيلٌ أَصَابَ الْمَحَزَّ، كَيْفَ وَهَمَ أَهْلُ اللِّسَانِ وَفُرْسَانُ الْبَيَانِ، وَلَكِنْ شَأْنُ الْمُعَانِدِ الْمُكَابِرِ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْتَقِدُ حَسَدًا وَعِنَادًا.
وَضَمِيرُ (أَنَّهُ) عَائِدٌ إِلَى الْمَثَلِ.
وَ (الْحَقُّ) تَرْجِعُ مَعَانِيهِ إِلَى مُوَافَقَةِ الشَّيْءِ لِمَا يَحِقُّ أَنْ يَقَعَ وَهُوَ هُنَا الْمُوَافِقُ لِإِصَابَةِ الْكَلَامِ وَبَلَاغَتِهِ. وَ (مِنْ رَبِّهِمْ) حَالٌ مِنَ (الْحَقِّ) وَ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ وَارِدٌ مِنَ اللَّهِ لَا كَمَا زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلصَّوَابِ فَهُوَ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْخَطَأُ.
وَأَصْلُ (مَاذَا) كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَذَا اسْمِ الْإِشَارَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ أَصْلُهَا أَنْ يُسْأَلَ بِهَا عَنْ شَيْءٍ مُشَارٍ إِلَيْهِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ مَاذَا مُشِيرًا إِلَى شَيْءٍ حَاضِرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا هَذَا.
غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَوَسَّعُوا فِيهِ فَاسْتَعْمَلُوهُ اسْمَ اسْتِفْهَامٍ مُرَكَّبًا مِنْ كَلِمَتَيْنِ وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مُعَبَّرًا عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِشَارَةِ حَتَّى تَصِيرَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مَعَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، نَحْوَ مَاذَا التَّوَانِي، أَوْ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْإِشَارَةِ مَوْقِعٌ نَحْوَ: وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ [النِّسَاء: 39] وَلِذَلِكَ يَقُولُ النُّحَاةُ إِنَّ ذَا مُلْغَاةٌ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ. وَقَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِيهَا تَوَسُّعًا أَقْوَى فيجعلون ذَا اسْم مَوْصُول وَذَلِكَ حِينَ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ مَعْرُوفًا لِلْمُخَاطَبِ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فَلِذَلِكَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ جُمْلَةً أَوْ نَحْوَهَا هِيَ صِلَةٌ وَيَجْعَلُونَ ذَا مَوْصُولًا نَحْوَ: مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ [النَّحْل: 24] وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ يَصِحُّ إِعْرَابُهُ مُبْتَدَأً وَيَصِحُّ إِعْرَابُهُ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهُ فِعْلٌ. وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا إِنْكَارِيٌّ أَيْ جُعِلَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 364
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست