responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 363
وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ (مَا فَوْقَهَا) عَلَى (بَعُوضَةً) أَفَادَتْ تَشْرِيكَهُمَا فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ بِهِمَا، وَحَقُّهَا أَنْ تُفِيدَ التَّرْتِيبَ وَالتَّعْقِيبَ وَلَكِنَّهَا هُنَا لَا تُفِيدُ التَّعْقِيبَ وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَى التَّدَرُّجِ فِي الرُّتَبِ بَيْنَ مَفَاعِيلِ أَنْ يَضْرِبَ وَلَا تُفِيدُ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ يَكُونُ بِالْبَعُوضَةِ وَيَعْقُبُهُ ضَرْبُهُ بِمَا فَوْقَهَا بَلِ الْمُرَادُ بَيَانُ الْمَثَلِ بِأَنَّهُ الْبَعُوضَةُ وَمَا يَتَدَرَّجُ فِي مَرَاتِبِ الْقُوَّةِ زَائِدًا عَلَيْهَا دَرَجَةً تَلِي دَرَجَةً فَالْفَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ عَنِ الْقَيْدِ لِأَنَّ الْفَاءَ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْقِيبِ الَّذِي هُوَ اتِّصَالٌ خَاصٌّ، فَاسْتُعْمِلَتْ فِي مُطْلَقِ الِاتِّصَالِ، أَوْ هِيَ مُسْتَعَارَةٌ لِلتَّدَرُّجِ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالتَّعْقِيبِ فِي التَّأَخُّرِ فِي التَّعَقُّلِ كَمَا أَنَّ التَّعْقِيبَ تَأَخُّرٌ فِي الْحُصُولِ وَمِنْهُ:
«رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ» .
وَالْمَعْنَى أَنْ يَضْرِبَ الْبَعُوضَةَ مَثَلًا فَيَضْرِبَ مَا فَوْقَهَا أَيْ مَا هُوَ دَرَجَةٌ أُخْرَى أَيْ أَحْقَرَ مِنَ الْبَعُوضَةِ مِثْلَ الذَّرَّةِ وَأَعْظَمَ مِنْهَا مِثْلَ الْعَنْكَبُوتِ وَالْحِمَارِ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا.
الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ الذِّكْرِيِّ دُونَ الْحُصُولِيِّ أَيْ لِتَعْقِيبِ الْكَلَامِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْكَلَامِ الْمُجْمَلِ عَطَفَتِ الْمُقَدَّرَ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْتَحْيِي لِأَنَّ تَقْدِيره لَا يستحي مِنَ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمَّا كَانَ فِي النَّاسِ مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ تَلَقَّى ذَلِكَ الْمَثَلَ وَاخْتَلَفَتْ حَالُهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، نَشَأَ فِي الْكَلَامِ إِجْمَالٌ مُقَدَّرٌ اقْتَضَى تَفْصِيلَ حَالِهِمْ. وَإِنَّمَا عَطَفَ بِالْفَاءِ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ حَاصِلٌ عَقِبَ الْإِجْمَالِ.
وَ (أَمَّا) حَرْفٌ مَوْضُوعٌ لِتَفْصِيلِ مُجْمَلٍ مَلْفُوظٍ أَوْ مُقَدَّرٍ. وَلَمَّا كَانَ الْإِجْمَالُ يَقْتَضِي اسْتِشْرَافَ السَّامِعِ لِتَفْصِيلِهِ كَانَ التَّصَدِّي لِتَفْصِيلِهِ بِمَنْزِلَةِ سُؤَالٍ مَفْرُوضٍ كَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَقُولُ إِنْ شِئْتَ تَفْصِيله فتفصيله كيث وَكَيْت، فَلِذَلِكَ كَانَتْ أَمَّا مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ وَلِذَلِكَ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا لِأَنَّهَا كَجَوَابِ شَرْطٍ، وَقَدْ تَخْلُو عَنْ مَعْنَى التَّفْصِيلِ فِي خُصُوصِ قَوْلِ الْعَرَبِ أَمَّا بَعْدُ فَتَتَمَحَّضُ لِلشَّرْطِ وَذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ لِخَفَاءِ مَعْنَى التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَرَقُّبِ السَّامِعِ كَلَامًا بَعْدَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ. وَقَدَّرَهَا سِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ، وَتَلَقَّفَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بَعْدَهُ وَهُوَ عِنْدِي تَقْدِيرُ مَعْنًى لِتَصْحِيحِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 363
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست