responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 353
مِنْ تَفْسِيرِهِ إِذْ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتْ لَامُ الْجِنْسِ عَلَى الْمُفْرَدِ كَانَ صَالِحًا لِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ إِلَى أَنْ يُحَاطَ بِهِ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ إِلَى الْوَاحِدِ مِنْهُ وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمَجْمُوعِ صَلُحَ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْجِنْسِ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ لَا إِلَى الْوَاحِدِ مِنْهُ اهـ. فَاعْتَمَدَهَا صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» وَتَنَاقَلَهَا الْعُلَمَاءُ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيَانَهَا.
وَلَعَلَّ سَائِلًا يَسْأَلُ عَنْ وَجْهِ إِتْيَانِ الْعَرَبِ بِالْجُمُوعِ بَعْدَ أَلِ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ إِذَا كَانَ الْمُفْرَدُ مُغْنِيًا غِنَاءَهَا فَأَقُولُ: إِنَّ أَلِ الْمُعَرِّفَةَ تَأْتِي لِلْعَهْدِ وَتَأْتِي لِلْجِنْسِ مُرَادًا بِهِ الْمَاهِيَّةُ وَلِلْجِنْسِ مُرَادًا بِهِ جَمِيعُ أَفْرَادِهِ الَّتِي لَا قَرَارَ لَهُ فِي غَيْرِهَا فَإِذَا أَرَادُوا مِنْهَا الِاسْتِغْرَاقَ نَظَرُوا فَإِنْ وَجَدُوا قَرِينَةَ الِاسْتِغْرَاقِ ظَاهِرَةً مِنْ لَفْظٍ أَوْ سِيَاقٍ نَحْوِ: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [الْعَصْر: 2، 3] وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ [آل عمرَان: 119] وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها [الحاقة: 17] اقْتَنَعُوا بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّهُ الأَصْل الأحفّ وَإِنْ رَأَوْا قَرِينَةَ الِاسْتِغْرَاقِ خَفِيَّةً أَوْ مَفْقُودَةً عَدَلُوا إِلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ لِدَلَالَةِ الصِّيغَةِ عَلَى عِدَّةِ أَفْرَادٍ لَا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ. وَلَمَّا كَانَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ لَا يُتَوَجَّهُ إِلَى عَدَدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ غَالِبًا تَعَيَّنَ أَنَّ تَعْرِيفَهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ نَحْوُ: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمرَان: 134] لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى مُحْسِنٍ خَاصٍّ نَحْوُ قَوْلِهَا:
وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ [يُوسُف: 52] لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ خَائِنٍ مُعَيَّنٍ تَعْنِي نَفْسَهَا فَيَصِيرُ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ قَرِينَةً عَلَى قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ.
وَانْتَصَبَ الصَّالِحَاتِ عَلَى الْمَفْعُول بِهِ لعملوا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَزَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ «مُغْنِي اللَّبِيبِ» أَنَّ مَفْعُولَ الْفِعْلِ إِذَا كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ فِعْلِهِ كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لَا مَفْعُولًا بِهِ فَنَحْوُ: عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَنَحْوُ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ [العنكبوت: 44] كَذَلِكَ، وَاعْتَضَدَ لِذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي «شَرْحِ الْمُفَصَّلِ» زَعَمَ أَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ يَكُونُ جُمْلَةً نَحْوَ قَالَ زَيْدٌ عَمْرٌو مُنْطَلِقٌ وَكَلَامُ ابْنِ هِشَامٍ خَطَأٌ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِثْلُهُ، وَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ هِشَامٍ نَفْسُهُ. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ هُوَ مَصْدَرُ فِعْلِهِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ.
وَالْجَنَّاتُ جَمْعُ جَنَّةٍ، وَالْجَنَّةُ فِي الْأَصْلِ فِعْلَةٌ مِنْ جَنَّهُ إِذَا سَتَرَهُ نَقَلُوهُ لِلْمَكَانِ الَّذِي تَكَاثَرَتْ أَشْجَارُهُ وَالْتَفَّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ حَتَّى كَثُرَ ظِلُّهَا وَذَلِكَ مِنْ وَسَائِلِ التَّنَعُّمِ وَالتَّرَفُّهِ عِنْدَ الْبشر قاطبة [1] لَا سِيمَا فِي بَلَدٍ تَغْلُبُ عَلَيْهِ الْحَرَارَةُ كَبِلَادِ الْعَرَبِ قَالَ تَعَالَى: وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً [النبأ: 16] .

[1] فَإِن الْإِنْسَان مجبول على حب المناظر الجميلة والميل لما يُقَارِبه فِي الْخلقَة، وَفِي الشّجر جمال الشكل واللون وَفِيه أنس للنفوس لِأَن فِيهِ حَيَاة فَنَاسَبَ النُّفُوس مثل التأنس بِالْحَيَوَانِ والأنعام الَّتِي قَالَ تَعَالَى فِيهَا: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ [النَّحْل: 6] فَفِي مناظر الْأَشْجَار جمال يفوق جمال مناظر مَا لَا حَيَاة فِيهِ كالقصور والرياش.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 353
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست