responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 343
بِقَوْلِهِ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْبَقَرَة: 23] وَذَلِكَ دَلِيلُ الْعَجْزِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ مَنْ قُدْرَتُهُ فَوْقَ طَوْقِ الْبَشَرِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا أَتَى أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِمَّنْ خَلَفَهُمْ بِمَا يُعَارِضُ الْقُرْآنَ فَكَانَتْ هَاتِهِ الْآيَةُ مُعْجِزَةً مِنْ نَوْعِ الْإِعْجَازِ بِالْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ مُسْتَمِرَّةً عَلَى تَعَاقُبِ السِّنِينَ فَإِنَّ آيَاتِ الْمُعَارَضَةِ الْكَثِيرَةَ فِي الْقُرْآنِ قَدْ قُرِعَتْ بِهَا أَسْمَاعُ الْمُعَانِدِينَ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ أَبَوْا تَصْدِيقَ الرَّسُولِ وَتَوَاتَرَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ بَيْنَهُمْ وَسَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ ادِّعَاءَ جَهْلِهَا، وَدَوَاعِي الْمُعَارَضَةِ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ، فَفِي خَاصَّتِهِمْ بِمَا يَأْنَسُونَهُ مِنْ تَأَهُّلِهِمْ لِقَوْلِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَهُمْ شُعَرَاؤُهُمْ وَخُطَبَاؤُهُمْ. وَكَانَتْ لَهُمْ مَجَامِعُ التَّقَاوُلِ وَنَوَادِي التَّشَاوُرِ وَالتَّعَاوُنِ، وَفِي عَامَّتِهِمْ وَصَعَالِيكِهِمْ بِحِرْصِهِمْ عَلَى حَثِّ خَاصَّتِهِمْ لِدَفْعِ مَسَبَّةِ الْغَلَبَةِ عَنْ قَبَائِلِهِمْ وَدِينِهِمْ وَالِانْتِصَارِ لِآلِهَتِهِمْ وَإِيقَافِ تَيَّارِ دُخُولِ رِجَالِهِمْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، مَعَ مَا عُرِفَ بِهِ الْعَرَبِيُّ مِنْ إِبَاءَةِ الْغَلَبَةِ وَكَرَاهَةِ الِاسْتِكَانَةِ. فَمَا أَمَسَكَ الْكَافَّةُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ إِلَّا لِعَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مَنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ عَارَضَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ لَطَارُوا بِهِ فَرَحًا وَأَشَاعُوهُ وَتَنَاقَلُوهُ فَإِنَّهُمُ اعْتَادُوا تَنَاقُلَ أَقْوَالِ بُلَغَائِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُغْرِيَهُمُ التَّحَدِّي فَمَا ظَنُّكَ بِهِمْ لَوْ ظَفِرُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْهُمْ هَذِهِ الِاسْتِكَانَةَ وَعَدَمُ الْعُثُورِ عَلَى شَيْءٍ يُدَّعَى مِنْ ذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّهُمْ أَمْسَكُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وتَفْعَلُوا الْأَوَّلُ مَجْزُومٌ بِلَمْ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ (إِنِ) الشُّرْطِيَّةَ دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدَ
اعْتِبَارِهِ مَنْفِيًّا فَيَكُونُ مَعْنَى الشَّرْطِ مُتَسَلِّطًا عَلَى (لَمْ) وَفِعْلِهَا فَظَهَرَ أَنْ لَيْسَ هَذَا مُتَنَازِعٌ بَيْنَ إِنْ وَلم فِي الْعَمَلِ فِي تَفْعَلُوا لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يُفْرَضُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ بَيْنَ النُّحَاةِ فِي صِحَّةِ تَنَازُعِ الْحَرْفَيْنِ مَعْمُولًا وَاحِدًا كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ الْعِلْجِ أَحَدُ نُحَاةِ الْأَنْدَلُسِ نَسَبَهُ إِلَيْهِ فِي «التَّصْرِيحِ عَلَى التَّوْضِيحِ [1] » عَلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ مَعَ اتِّحَادِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَقَدْ أَخَذَ جَوَازَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فِي «الْمَسَائِلِ الدِّمَشْقِيَّاتِ» وَمِنْ كِتَابِ «التَّذْكِرَةِ» لَهُ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الرَّاجِزِ:
حَتَّى تَرَاهَا وَكَأَنَّ وَكَأَنْ ... أَعْنَاقُهَا مُشَرَّفَاتٌ فِي قَرَنْ
مِنْ قَبِيلِ التَّنَازُعِ بَيْنَ كَأَنَّ الْمُشَدَّدَةِ وَكَأَنِ الْمُخَفَّفَةِ.
وَقَوْلُهُ: فَاتَّقُوا النَّارَ أَثَرٌ لِجَوَابِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا دَلَّ عَلَى جُمَلٍ مَحْذُوفَةٍُُ

[1] قل من يعرف اسْمه، وَلم يترجم لَهُ فِي «البغية» . وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الأشبيلي لَهُ كتاب «الْبَسِيط فِي النَّحْو» .
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 343
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست