responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 325
وَيَفْصِلُوا بَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ وَالِاسْمِ الْمُنَادَى حِينَئِذٍ بِكَلِمَةِ أَيْ وَهُوَ تَرْكِيبٌ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ اللُّغَةِ وَلَعَلَّهُ مِنْ بَقَايَا اسْتِعْمَالٍ عَتِيقٍ.
وَقَدِ اخْتَصَرُوا اسْمَ الْإِشَارَةِ فَأَبْقَوْا (هَا) التَّنْبِيهِيَّةَ وَحَذَفُوا اسْمَ الْإِشَارَةِ، فَأَصْلُ يَا أَيُّهَا النَّاس يَا أَي هَؤُلَاءِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِمْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ الَّذِي لَا نَعْرِفُهُ:
أَيُّهَذَانِ كُلَا زَادَيْكُمَا

وَرُبَّمَا أَرَادُوا نِدَاءَ الْمَجْهُولِ الْحَاضِرِ الذَّاتِ أَيْضًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى طَرِيقِ إِحْضَارِهِ مِنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ بِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ جِنْسٍ فَتَوَصَّلُوا لِذَلِكَ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ الدَّالِّ عَلَى الْحَالَةِ بِصِلَتِهِ وَالدَّالِّ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ يَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ اللَّامُ فَيُقْحِمُونَ أَيًّا كَذَلِكَ نَحْوَ:
يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [الْحجر: 6] .
و (النَّاس) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي اشْتِقَاقِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ [الْبَقَرَة: 8] وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ نُودِيَ هُنَا وَعُرِّفَ بِأَلْ يَشْمَلُ كُلَّ أَفْرَادِ مُسَمَّاهُ لِأَنَّ الْجُمُوعَ الْمُعَرَّفَةَ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَاحْتِمَالُهَا الْعَهْدَ ضَعِيفٌ إِذِ الشَّأْنُ عَهْدُ الْأَفْرَادِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ فِي الْعُمُومِ أَنَصَّ مِنْ عُمُومِ الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِأَلْ.
فَإِنْ نَظَرْتَ إِلَى صُورَةِ الْخِطَابِ فَهُوَ إِنَّمَا وَاجَهَ بِهِ نَاسًا سَامِعِينَ فَعُمُومُهُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَقْتَ سَمَاعِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِمَنْ سَيُوجَدُ مِنْ بَعْدُ يَكُونُ بِقَرِينَةِ عُمُومِ التَّكْلِيفِ وَعَدَمِ قَصْدِ تَخْصِيصِ الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ أَمْرٌ قَدْ تَوَاتَرَ نَقْلًا وَمَعْنًى فَلَا جَرَمَ أَنْ يَعُمَّ الْجَمِيعَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقِيَاسِ، وَإِنْ نَظَرْتَ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنْ أَضْرُبِ الْخِطَابِ الَّذِي لَا يَكُونُ لِمُعَيَّنٍ فَيُتْرَكُ فِيهِ التَّعْيِينُ لِيَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُخَاطَبَةِ بِذَلِكَ وَهَذَا شَأْنُ الْخِطَابِ الصَّادِرِ مِنَ الدُّعَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُؤَلِّفِينَ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ يَا قَوْمُ، وَيَا فَتَى، وَأَنْتَ تَرَى، وَبِهَذَا تَعْلَمُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا ظَنُّكَ بِخِطَابِ الرُّسُلِ وَخِطَابٍ هُوَ نَازِلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ ذَلِكَ عَامًّا لِكُلِّ مَنْ يَشْمَلُهُ اللَّفْظُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَفْرِضُهَا الْأُصُولِيُّونَ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِخِطَابِ الْمُشَافَهَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ هَلْ يَعُمُّ أَمْ لَا؟ وَالْجُمْهُورُ وَإِنْ قَالُوا إِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْمُخَاطَبَةِ حَتَّى قَالَ الْعَضُدُ إِنَّ إِنْكَارَ ذَلِكَ مُكَابَرَةٌ، وَبحث فِيهِ التفتازانيّ، فَهُمْ قَالُوا إِنَّ شُمُولَ الْحُكْمِ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ هُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ مِنْ عُمُومِ الْبِعْثَةِ وَأَنَّ أَحْكَامَهَا شَامِلَةٌ لِلْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الْعُصُورِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 325
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست