responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 324
يَكُنْ مَا ذُكِرَ آنِفًا مِنْ سُوءِ صُنْعِهِمْ حَائِلًا دُونَ إِعَادَةِ إِرْشَادِهِمْ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ فَفِيهِ تَأْنِيسٌ لِأَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْ هَدَّدَهُمْ وَلَامَهُمْ وَذَمَّ صُنْعَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْإِغْلَاظَ عَلَيْهِمْ لَيْسَ إِلَّا حِرْصًا عَلَى صَلَاحِهِمْ وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُرَبِّي النَّاصِحُ حِينَ يَزْجُرُ أَوْ يُوَبِّخُ فَيُرَى انْكِسَارُ نَفْسِ مُرَبَّاهُ فَيَجْبُرُ خَاطِرَهُ بِكَلِمَةٍ لَيِّنَةٍ لِيُرِيَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَسَاءَ إِلَيْهِ اسْتِصْلَاحًا وَحُبًّا لِخَيْرِهِ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْ رَحْمَتِهِ لِخَلْقِهِ حَتَّى فِي حَالِ عُتُوِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَفِي حَالِ حَمْلِهِمْ
إِلَى مَصَالِحِهِمْ.
وَبَعْدُ فَهَذَا الِاسْتِئْنَاسُ وَجَبْرُ الْخَوَاطِرِ يَزْدَادُ بِهِ الْمُحْسِنُونَ إِحْسَانًا وَيَنْكَفُّ بِهِ الْمُجْرِمُونَ عَنْ سُوءِ صُنْعِهِمْ فَيَأْخُذُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِيمَا سَلَفَ حَظَّهُ مِنْهُ. فَالْمَقْصُودُ بِالنِّدَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ الْإِقْبَالُ عَلَى مَوْعِظَةِ نَبْذِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ هُوَ غَالِبُ اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ فِي الْخطاب بيا أَيُّهَا النَّاسُ، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ هُنَا قَوْلُهُ: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 22] وَافْتَتَحَ الْخِطَابَ بِالنِّدَاءِ تنويها بِهِ.
و (يَا) حَرْفٌ لِلنِّدَاءِ وَهُوَ أَكْثَرُ حُرُوفِ النِّدَاءِ اسْتِعْمَالًا فَهُوَ أَصْلُ حُرُوفِ النِّدَاءِ وَلِذَلِكَ لَا يُقَدَّرُ غَيْرُهُ عِنْدَ حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلِكَوْنِهِ أَصْلًا كَانَ مُشْتَرِكًا لِنِدَاءِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ كَمَا فِي «الْقَامُوسِ» . قَالَ الرَّضِيُّ فِي «شَرْحِ الْكَافِيَةِ» : إِنَّ اسْتِعْمَالَ يَا فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ عَلَى السَّوَاءِ وَدَعْوَى الْمَجَازِ فِي أَحَدِهِمَا أَوِ التَّأْوِيلِ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ إِذْ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَيَا حَرْفٌ وُضِعَ فِي أَصْلِهِ لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي مُنَادَاةِ مَنْ سَهَا أَوْ غَفَلَ وَإِنْ قَرُبَ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مَنْ بَعُدَ» وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي كتاب «الْمفصل» .
و (أيّ) فِي الْأَصْلِ نَكِرَةٌ تَدُلُّ عَلَى فَرْدٍ مِنْ جِنْسِ اسْمٍ يَتَّصِلُ بِهَا بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ، نَحْوُ أَيُّ رَجُلٍ أَوْ بِطَرِيقِ الْإِبْدَالِ نَحْوُ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، وَمِنْهُ مَا فِي الِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِكَ لِجَلِيسِكَ أَنَا كَفَيْتُ مُهِمَّكَ أَيُّهَا الْجَالِسُ عِنْدَكَ وَقَدْ يُنَادُونَ الْمُنَادَى بِاسْمِ جِنْسِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ لِأَنَّهُ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ لِإِحْضَارِهِ كَمَا هُنَا فَرُبَّمَا يُؤْتَى بِالْمُنَادَى حِينَئِذٍ نَكِرَةً مَقْصُودَةً أَوْ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ، وَرُبَّمَا يَأْتُونَ بِاسْمِ الْجِنْسِ أَوِ الْوَصْفِ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ إِشَارَةً إِلَى تَطَرُّقِ التَّعْرِيفِ إِلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَةِ تَفَنُّنًا فَجَرَى اسْتِعْمَالُهُمْ أَنْ يَأْتُوا حِينَئِذٍ مَعَ اللَّامِ بِاسْمِ إِشَارَةٍ إِغْرَاقًا فِي تَعْرِيفِهِ (1)

(1) علله كثير من النَّحْوِيين بِأَنَّهُ لكراهية اجْتِمَاع حرفي تَعْرِيف، ورده الرضي بِأَنَّهُ لَا يستنكر اجْتِمَاع حرفين فِي أَحدهمَا من الْفَائِدَة مَا فِي الآخر وَزِيَادَة كَمَا فِي لقد، وَقَالُوا يَا هَذَا، وَيَا أَنْت. وَالَّذِي يخْتَار فِي تَعْلِيله أَنه كَرَاهِيَة اجْتِمَاع أداتي تَعْرِيف وهما حرف النداء وأل الْمعرفَة.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 324
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست