responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 276
مَنِ اسْتَأْذَنَهُ فِي أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْن سَلُولٍ، كَانَ ذَلِكَ الصَّنِيعُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَكَانَ مَرْجِعُهُ إِلَى اللَّهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [142] ، كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ خِدَاعُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ فِي الْمُخَادَعَةِ مِنْ جَانِبَيْهَا، كُلٌّ بِمَا يُلَائِمُهُ.
الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّ يُخادِعُونَ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ تَشْبِيهًا لِلْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِدِينِ اللَّهِ، وَمِنْ مُعَامَلَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي الْإِمْلَاءِ لَهُمْ وَالْإِبْقَاءِ
عَلَيْهِمْ، وَمُعَامَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ فِي إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، بِهَيْئَةِ فِعْلِ الْمُتَخَادِعِينَ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ خَادَعَ بِمَعْنَى خَدَعَ أَيْ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ حُصُولُ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ بَلْ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الْخَلِيلِ: يُقَالُ خَادَعَ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّ فِي الْمُخَادَعَةِ مُهْلَةً كَمَا يُقَالُ عَالَجْتُ الْمَرِيضَ لِمَكَانِ الْمُهْلَةِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَأَنَّهُ يَرُدُّ فَاعَلَ إِلَى اثْنَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهِ مُهْلَةً وَمُدَافَعَةً وَمُمَاطَلَةً فَكَأَنَّهُ يُقَاوِمُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَجِيءُ فِيهِ فَاعَلَ اهـ. وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى جَعْلِ صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ مُسْتَعَارَةً لِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ بِتَشْبِيهِ الْفِعْلِ الْقَوِيِّ بِالْفِعْلِ الْحَاصِلِ مِنْ فَاعِلَيْنِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ وَمَنْ مَعَهُ: (يَخْدَعُونَ اللَّهَ) . وَهَذَا إِنَّمَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ عَنْ إِسْنَادِ صُدُورِ الْخِدَاعِ مِنَ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَ تَنْزِيهِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ، وَلَا يَدْفَعُ إِشْكَالَ صُدُورِ الْخِدَاعِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِلَّهِ.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فِي فَاعِلِ يُخادِعُونَ الْمُقَدَّرِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ أَيْضًا فَبِأَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُخَادِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِسْنَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَجْلِ الْمُلَابَسَةِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَمُرْسِلِهِ وَإِمَّا مَجَازٌ بِالْحَذْفِ لِلْمُضَافِ، فَلَا يَكُونُ مُرَادُهُمْ خِدَاعَ اللَّهِ حَقِيقَةً، وَيَبْقَى أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ مَخْدُوعًا مِنْهُمْ وَمُخَادِعًا لَهُمْ، وَأَمَّا تَجْوِيزُ مُخَادَعَةِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِلْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى خِدَاعِهِمْ فَذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ.
وَقَوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَخَلَفٌ (يُخَادِعُونَ) بِأَلِفٍ بَعْدَ الْخَاءِ وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ (يَخْدَعُونَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ.
وَجُمْلَةُ وَمَا يُخَادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُخَادِعُونَ الْأَوَّلَ أَيْ يُخَادِعُونَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ لَا يُخَادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أَيْ خِدَاعُهُمْ مَقْصُورٌ عَنْ ذَوَاتِهِمْ لَا يَرْجِعُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَى

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 276
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست