responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 269
خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ نَسَبَ إِلَيْهِمُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ «الْفَصْلِ» ، وَقَالَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزَّالُ إِنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ أَيْ لَا يُوصَفُ بِإِيمَانٍ وَلَا كُفْرٍ فَيُفَارِقُ بِذَلِكَ قَوْلَ الْخَوَارِجِ وَقَوْلَ الْمُرْجِئَةِ وَوَافَقَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ
عَلَى ذَلِكَ. وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي بِسَبَبِهَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِوَاصِلٍ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ اعْتَزَلَ مَجْلِسَنَا. وَدَرَجَ عَلَى هَذَا جَمِيعُهُمْ، لَكِنَّهُمُ اضْطَرَبُوا أَوِ اضْطَرَبَ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي مُسَمَّى الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي «الْإِرْشَاد» إِن جُمْهُور هم قَالُوا إِنَّ الْكَبِيرَةَ تُحْبِطُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَمَعْنَاهُ لَا مَحَالَةَ أَنَّهَا تُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَبِذَلِك جزم التفتازانيّ فِي «شَرْحِ الْكَشَّافِ» وَفِي «الْمَقَاصِدِ» ، وَقَالَ إِنَّ الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْخُلُودِ وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْمَنْزِلَةَ لِعَدَمِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ وَلِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صَاحِبِهَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ مُرْتَكِبُ الْمَعْصِيَةِ كَالْمُرْتَدِّ فَيُقْتَلُ.
وَقَالَ فِي «الْمَقَاصِدِ» وَمِثْلُهُ فِي «الْإِرْشَادِ» : الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ الْمُشْتَهِرِ فَإِنَّ أَبَا عَلِيٍّ وَابْنَهُ وَكَثِيرًا مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ قَالُوا إِنَّ الْكَبَائِرَ إِنَّمَا تُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ إِذَا زَادَ عِقَابُهَا عَلَى ثَوَابِ الطَّاعَاتِ فَإِنْ أَرْبَتِ الطَّاعَاتُ عَلَى السَّيِّئَاتِ دَرَأَتِ السَّيِّئَاتِ، وَلَيْسَ النَّظَرُ إِلَى أَعْدَادِ الطَّاعَاتِ وَلَا الزَّلَّاتِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إِلَى مِقْدَارِ الْأُجُورِ وَالْأَوْزَارِ فَرُبَّ كَبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ يَغْلِبُ وِزْرُهَا طَاعَاتٍ كَثِيرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ضَبْطِ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ بَلْ أَمْرُهَا مَوْكُولٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنِ اسْتَوَتِ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَقَدِ اضْطَرَبُوا فِي ذَلِكَ فَهَذَا مَحَلُّ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ. وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي «الْفَصْلِ» عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، فِيهِمْ بِشْرُ الْمَرِيسِيُّ وَالْأَصَمُّ مَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ وَلَهُمْ وَقْفَةٌ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ مُدَّةً ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ فَهُوَ مُجَازَى بِقَدْرِ مَا رَجَحَ لَهُ مِنَ الذُّنُوبِ فَمِنْ لَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَى بَقَاءِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَرَوْنَ الْخُلُودَ. وَقَدْ نَقَلَ الْبَعْضُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ لَا جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ إِلَّا أَن التفتازانيّ فِي «الْمَقَاصِدِ» غَلَّطَ هَذَا الْبَعْضَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي «شَرْحِ الْكَشَّافِ» . وَقَدْ قَرَّرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» حَقِيقَةَ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [26] وَالْفَاسِقُ فِي الشَّرِيعَةِ الْخَارِجُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ وَهُوَ النَّازِلُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ أَيْ بَيْنَ مَنْزِلَتَيِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ.
وَقَالُوا إِنَّ أَوَّلَ مَنْ حَدَّ لَهُ هَذَا الْحَدَّ أَبُو حُذَيْفَةَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَكَوْنُهُ بَيْنَ بَيْنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُؤْمِنِ فِي أَنَّهُ يُنَاكَحُ وَيُوَارَثُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 269
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست