responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 268
لِلتَّفَاضُلِ. وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»
أَيْ لَيْسَ مُتَّصِفًا حِينَئِذٍ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ.
وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَقِيلَ إِنَّمَا أَمْسَكَ مَالِكٌ عَنِ الْقَوْلِ بِنُقْصَانِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُظَنُّ بِهِ مُوَافَقَةُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ مَالِكٍ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْإِيمَانِ وَيُوجِبُ لِلْمُصَدِّقِ الدُّخُولَ فِيهِ وَلَا يُوجِبُ لَهُ اسْتِكْمَالَ مَنَازِلِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ اهـ. وَلَمْ يُتَابِعْهُمْ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ شَرْحًا لِلْإِيمَانِ الْكَامِلِ وَلَيْسَ فِيهِ النِّزَاعُ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَصْلِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَأَوَّلُ دَرَجَاتِ النَّجَاةِ مِنَ الْخُلُودِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنْ يُقَالَ الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَتَأَوَّلُوا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَزْدادُوا إِيماناً [الْفَتْح: 4] بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ حَتَّى يَدُومُوا عَلَى الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّحْقِيقُ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَوْلُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ إِنَّ الْإِيمَانَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ وَعَمَلٌ كَمَا جَاءَ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَرَادُوا مِنْ قَوْلِهِمْ حَقِيقَةَ ظَاهِرِهِ مَنْ تَرَكُّبِ الْإِيمَانِ مِنْ مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ بِحَيْثُ إِذَا اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْإِيمَانُ، وَلَهُمْ فِي تَقْرِيرِ بُطْلَانِهِ بِنَقْصِ الْأَعْمَالِ الْوَاجِبَةِ مَذَاهِبٌ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ وَلَا مَعْضُودَةٍ بِأَدِلَّةٍ سِوَى التَّعَلُّقِ بِظَوَاهِرِ بَعْضِ الْآثَارِ مَعَ الْإِهْمَالِ لِمَا يُعَارِضُهَا مِنْ مِثْلِهَا.
فَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَقَالُوا إِنَّ تَارِكَ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَهُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ فَالْأَعْمَالُ جُزْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ وَأَرَادُوا مِنَ الْأَعْمَالِ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ صَغَائِرَ، إِذْ جَمِيعُ الذُّنُوبِ عِنْدَهُمْ كَبَائِرُ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ كَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ فَلَا يُوجِبُ تَرْكُهَا خُلُودًا، إِذْ لَا يَقُولُ مُسْلِمٌ إِنَّ تَرْكَ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ، وَكَذَلِكَ فِعْلَ الْمَكْرُوهَاتِ.
وَقَالَتِ الْإِبَاضِيَّةُ مِنَ الْخَوَارِجِ إِنَّ تَارِكَ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ كَافِرٌ لَكِنَّ كُفْرَهُ كُفْرُ نِعْمَةٍ لَا شِرْكٍ، نَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْهُمْ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ طَلَبَتِهِمْ.
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ وَافَقُوا الْخَوَارِجَ فِي أَنَّ لِلْأَعْمَالِ حَظًّا مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي مَقَادِيرِهَا وَمَذَاهِبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، فَقَالَ قُدَمَاؤُهُمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ إِنَّ الْعَاصِيَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ لَكِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْكُفْرِ وَلَا بِالْإِيمَانِ وَوَصَفُوهُ بِالْفِسْقِ وَجَعَلُوا اسْتِحْقَاقَ الْخُلُودِ لِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 268
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست