responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 227
بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَقِيلَ هَادٍ لِلْمُتَّقِينَ، فَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَتَنْوِيهٌ بِهِ وَتَخَلُّصٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِهَدْيِهِ، فَالْقُرْآنُ لَمْ يَزَلْ وَلَنْ يَزَالَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ هِدَايَتِهِ نَفَعَتِ الْمُتَّقِينَ فِي سَائِرِ مَرَاتِبِ التَّقْوَى، وَفِي سَائِرِ أَزْمَانِهِ وَأَزْمَانِهِمْ عَلَى حَسَبِ حِرْصِهِمْ وَمَبَالِغِ عِلْمِهِمْ وَاخْتِلَافِ مُطَالِبِهِمْ، فَمِنْ مُنْتَفِعٍ بِهَدْيِهِ فِي الدِّينِ، وَمِنْ مُنْتَفِعٍ فِي السِّيَاسَةِ وَتَدْبِيرِ أُمُورِ الْأُمَّةِ، وَمِنْ مُنْتَفِعٍ بِهِ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْفَضَائِلِ، وَمِنْ مُنْتَفِعٍ بِهِ فِي التَّشْرِيعِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَكُلُّ أُولَئِكَ مِنَ الْمُتَّقِينَ وَانْتِفَاعُهُمْ بِهِ عَلَى حَسَبِ مَبَالِغِ تَقْوَاهُمْ. وَقَدْ جَعَلَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ الِاجْتِهَادَ فِي الْفِقْهِ مِنَ التَّقْوَى، فَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] فَإِنْ قَصَّرَ بِأَحَدٍ سَعْيُهُ عَنْ كَمَالِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِنَقْصٍ فِيهِ لَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يَزَالُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ يَتَسَابَقُونَ فِي التَّحْصِيلِ عَلَى أَوْفَرِ مَا يَسْتَطِيعُونَ مِنَ الِاهْتِدَاءِ بِالْقُرْآنِ.
وَتَلْتَئِمُ الْجُمَلُ الْأَرْبَع كَمَال الالتئمام: فَإِنَّ جملَة الم [الْبَقَرَة: 1] تَسْجِيلٌ لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَإِنْحَاءٍ عَلَى عَامَّةِ الْمُشْرِكِينَ عَجْزِهِمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَهُوَ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفِ كَلَامِهِمْ وَكَفَى بِهَذَا نِدَاءً عَلَى تَعَنُّتِهِمْ.
وَجُمْلَةُ: ذلِكَ الْكِتابُ تَنْوِيهٌ بِشَأْنِهِ وَأَنَّهُ بَالِغٌ حَدَّ الْكَمَالِ فِي أَحْوَالِ الْكُتُبِ، فَذَلِكَ
مُوَجَّهٌ إِلَى الْخَاصَّةِ مِنَ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا كِتَابٌ مُؤَلَّفٌ من حُرُوف كلامكم، وَهُوَ بَالِغٌ حَدَّ الْكَمَالِ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوَفِّرُ دَوَاعِيَكُمْ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَالِافْتِخَارِ بِأَنْ مُنِحْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ تَعُدُّونَ أَنْفُسَكُمْ أَفْضَلَ الْأُمَمِ، فَكَيْفَ لَا تُسْرِعُونَ إِلَى مُتَابَعَةِ كِتَابٍ نَزَلَ فِيكُمْ هُوَ أَفْضَلُ الْكُتُبِ فَوِزَانُ هَذَا وِزَانُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا إِلَى قَوْله: وَرَحْمَةٌ [الْأَنْعَام: 156، 157] ، وَمَوَجَّهٌ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِإِيقَاظِهِمْ إِلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّا أُوتُوهُ.
وَجُمْلَةُ: لَا رَيْبَ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا رَيْبَ تَعْرِيضٌ بِكُلِّ الْمُرْتَابِينَ فِيهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ أَنَّ الِارْتِيَابَ فِي هَذَا الْكِتَابِ نَشَأَ عَنِ الْمُكَابَرَةِ، وَأَنْ (لَا رَيْبَ) فَإِنَّهُ الْكِتَابُ الْكَامِلُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: فِيهِ كَانَ تَعْرِيضًا بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَعَلُّقِهِمْ بِمُحَرَّفِ كِتَابَيْهِمْ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ مَثَارِ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ مِنَ الِاضْطِرَابِ الْوَاضِحِ الدَّالِّ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 227
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست