responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 226
وَالْمُتَّقِي مَنِ اتَّصَفَ بِالِاتِّقَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْوِقَايَةِ، وَالْوِقَايَةُ الصِّيَانَةُ وَالْحِفْظُ مِنَ الْمَكْرُوهِ فَالْمُتَّقِي هُوَ الْحَذِرُ الْمُتَطَلِّبُ لِلنَّجَاةِ مِنْ شَيْءٍ مَكْرُوهٍ مُضِرٍّ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُتَّقِينَ اللَّهَ، أَيِ الَّذِينَ هُمْ خَائِفُونَ غَضَبَهُ وَاسْتَعَدُّوا لِطَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَاسْتِجَابَةِ طلبه فَإِذا قرىء عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ اسْتَمَعُوا لَهُ وَتَدَبَّرُوا مَا يَدْعُو إِلَيْهِ فَاهْتَدَوْا.
وَالتَّقْوَى الشَّرْعِيَّةُ هِيَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَعَدَمُ الِاسْتِرْسَالِ عَلَى الصَّغَائِرِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَيِ اتِّقَاءُ مَا جَعَلَ اللَّهُ الِاقْتِحَامَ فِيهِ مُوجِبًا غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ، فَالْكَبَائِرُ كُلُّهَا مُتَوَعَّدٌ فَاعِلُهَا بِالْعِقَابِ دُونَ اللَّمَمِ.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْهُدَى وَمِنَ الْمُتَّقِينَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيُّ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ شَأْنِهِ الْإِيصَالُ إِلَى الْمَطَالِبِ الْخَيْرِيَّةِ وَأَنَّ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْوُصُولِ بِهِ إِلَيْهَا هُمُ الْمُتَّقُونَ أَيْ هُمُ الَّذِينَ تَجَرَّدُوا عَنِ الْمُكَابَرَةِ وَنَزَّهُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ حَضِيضِ التَّقْلِيدِ لِلْمُضِلِّينَ وَخَشُوا الْعَاقِبَةَ وَصَانُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ خَطَرِ غَضَبِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَتَلَقَّوُا الْقُرْآنَ بِقُوَّةٍ وَعَزَمٍ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ كَمَا سَتَكْشِفُ عَنْهُمُ الْأَوْصَافُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ- إِلَى قَوْلِهِ- مِنْ قَبْلِكَ [الْبَقَرَة: 3، 4] .
وَفِي بَيَانِ كَوْنِ الْقُرْآنِ هُدًى وَكَيْفِيَّةِ صِفَةِ الْمُتَّقِي مَعَانٍ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى فِي زَمَنِ الْحَالِ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْمَصْدَرِ عِوَضٌ عَنِ الْوَصْفِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَزَمَنُ الْحَالِ هُوَ الْأَصْلُ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ حَالُ النُّطْقِ. وَالْمُتَّقُونَ هُمُ الْمُتَّقُونَ فِي الْحَالِ أَيْضًا لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ كَمَا قُلْنَا، أَيْ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ نَزَّهَ نَفْسَهُ وَأَعَدَّهَا لِقَبُولِ الْكَمَالِ يَهْدِيهِ هَذَا الْكِتَابُ، أَوْ يَزِيدُهُ هُدًى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [مُحَمَّد: 17] .
الثَّانِي: أَنَّهُ هُدًى فِي الْمَاضِي أَيْ حَصَلَ بِهِ هُدًى أَيْ بِمَا نَزَلَ مِنَ الْكِتَابِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْمُتَّقِينَ مَنْ كَانَتِ التَّقْوَى شِعَارَهُمْ أَيْ أَنَّ الْهُدَى ظَهَرَ أَثَرُهُ فِيهِمْ فَاتَّقَوْا وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ مَدْحًا لِلْكِتَابِ بِمُشَاهَدَةِ هَدْيِهِ وَثَنَاءً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُتَّقِينَ عَلَى الْمُتَّصِفِينَ بِالتَّقْوَى فِيمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْغَالِبِ فِي الْوَصْفِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ إِطْلَاقٌ يَعْتَمِدُ عَلَى قَرِينَةِ سِيَاقِ الثَّنَاءِ عَلَى الْكِتَابِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ هُدًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلَّذِينَ سَيَتَّقُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ هُنَا قَرِينَةُ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ فِي هُدىً لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ.
حَصَلَ مِنْ وَصْفِ الْكِتَابِ بِالْمَصْدَرِ مِنْ وَفْرَةِ الْمَعَانِي مَا لَا يَحْصُلُ، لَوْ وُصِفَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 226
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست