responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 18
الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ
اسْتِمْدَادُ الْعِلْمِ يُرَادُ بِهِ تَوَقُّفُهُ عَلَى مَعْلُومَاتٍ سَابِقٌ وُجُودُهَا عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الْعِلْمِ عِنْدَ مُدَوِّنِيهِ لِتَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى إِتْقَانِ تَدْوِينِ ذَلِكَ الْعِلْمِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ فِي الِاصْطِلَاحِ بِالِاسْتِمْدَادِ عَنْ تَشْبِيهِ احْتِيَاجِ الْعِلْمِ لِتِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ بِطَلَبِ الْمَدَدِ، وَالْمَدَدُ الْعَوْنُ وَالْغُوَاثُ، فَقَرَنُوا الْفِعْلَ بِحَرْفَيِ الطَّلَبِ وَهُمَا السِّينُ وَالتَّاءُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي الْعِلْمِ مَعْدُودًا مِنْ مَدَدِهِ، بَلْ مَدَدُهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَقَوُّمُهُ، فَأَمَّا مَا يُورَدُ فِي الْعِلْمِ مِنْ مَسَائِلِ عُلُومٍ أُخْرَى عِنْدَ الْإِفَاضَةِ فِي الْبَيَانِ، مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ إِفَاضَاتِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ فِي «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» فَلَا يُعَدُّ مَدَدًا لِلْعِلْمِ، وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ وَلَا يَنْضَبِطْ، بَلْ هُوَ مُتَفَاوِتٌ عَلَى حَسَبِ مَقَادِيرِ تَوَسُّعِ الْمُفَسِّرِينَ وَمُسْتَطْرَدَاتِهِمْ، فَاسْتِمْدَادُ عِلْمِ التَّفْسِيرِ لِلْمُفَسِّرِ الْعَرَبِيِّ، وَالْمُوَلَّدِ، مِنَ الْمَجْمُوعِ الْمُلْتَئِمِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِلْمِ الْآثَارِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْعَرَبِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ قِيلَ: وَعِلْمِ الْكَلَامِ وَعِلْمِ الْقِرَاءَاتِ.
أَمَّا الْعَرَبِيَّةُ فَالْمُرَادُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ مَقَاصِدِ الْعَرَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَدَبِ لُغَتِهِمْ سَوَاءٌ حَصَلَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ بِالسَّجِيَّةِ وَالسَّلِيقَةِ، كَالْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، أَمْ حَصَلَتْ بِالتَّلَقِّي وَالتَّعَلُّمِ كَالْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ شَافَهُوا بَقِيَّةَ الْعَرَبِ وَمَارَسُوهُمْ، وَالْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ دَرَسُوا عُلُومَ اللِّسَانِ وَدَوَّنُوهَا. إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ فَكَانَتْ قَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةِ طَرِيقًا لِفَهْمِ مَعَانِيهِ، وَبِدُونِ ذَلِكَ يَقَعُ الْغَلَطُ وَسُوءُ الْفَهْمِ لِمَنْ لَيْسَ بعربي بالسليقة، وَيَعْنِي بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ مَجْمُوعَ عُلُومِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَهِيَ: مَتْنُ اللُّغَةِ، وَالتَّصْرِيفُ، وَالنَّحْوُ، وَالْمَعَانِي، وَالْبَيَانُ. وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ الْمُتَّبَعَ مِنْ أَسَالِيبِهِمْ فِي خُطَبِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَتَرَاكِيبِ بُلَغَائِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا يَجْرِي مَجْرَى التَّمْثِيلِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلتَّفْسِيرِ مِنْ أَفْهَامِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنْفُسِهِمْ لِمَعَانِي آيَاتٍ غَيْرِ وَاضِحَةِ الدَّلَالَةِ عِنْدَ الْمُوَلَّدِينَ، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَمِنْ حَقِّ مُفَسِّرِ كِتَابِ اللَّهِ الْبَاهِرِ، وَكَلَامِهِ الْمُعْجِزِ أَنْ يَتَعَاهَدَ فِي مَذَاهِبِهِ بَقَاءَ النَّظْمِ عَلَى حُسْنِهِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى كَمَالِهَا، وَمَا وَقَعَ بِهِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 18
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست