responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 19
التَّحَدِّي سَلِيمًا مِنَ الْقَادِحِ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَاهَدْ أَوْضَاعَ اللُّغَةِ فَهُوَ مِنْ تَعَاهُدِ النَّظْمِ وَالْبَلَاغَةِ
عَلَى مَرَاحِلَ» [1] .
وَلِعِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالْمَعَانِي مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ لِإِظْهَارِ خَصَائِصِ الْبَلَاغَةِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْمَعَانِي وَإِظْهَارِ وَجْهِ الْإِعْجَازِ وَلِذَلِكَ كَانَ هَذَانِ الْعِلْمَانِ يُسَمَّيَانِ فِي الْقَدِيمِ عِلْمَ دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «عِلْمُ التَّفْسِيرِ الَّذِي لَا يَتِمُّ لِتَعَاطِيهِ وَإِجَالَةِ النَّظَرِ فِيهِ كُلُّ ذِي عِلْمٍ، فَالْفَقِيهُ وَإِنْ بَرَزَ عَلَى الْأَقْرَانِ فِي عِلْمِ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، والمتكلم وَإِن بز أَهْلَ الدُّنْيَا فِي صِنَاعَةِ الْكَلَامِ، وَحَافِظُ الْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ وَإِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ الْقَرْيَةِ أَحْفَظَ، وَالْوَاعِظُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَوْعَظَ، وَالنَّحْوِيُّ وَإِنْ كَانَ أَنْحَى مِنْ سِيبَوَيْهِ، وَاللُّغَوِيُّ وَإِنْ عَلَكَ اللُّغَاتِ بِقُوَّةِ لَحْيَيْهِ، لَا يَتَصَدَّى مِنْهُمْ أَحَدٌ لِسُلُوكِ تِلْكَ الطَّرَائِقِ، وَلَا يَغُوصُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحَقَائِقِ، إِلَّا رَجُلٌ قَدْ بَرَعَ فِي عِلْمَيْنِ مُخْتَصَّيْنِ بِالْقُرْآنِ وَهُمَا عِلْمَا الْبَيَانِ وَالْمَعَانِي اهـ» [2] .
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ [67] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ:
«وَكَمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ التَّنْزِيلِ وَحَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ، قَدْ ضِيمَ وَسِيمَ الْخَسْفَ، بِالتَّأْوِيلَاتِ الْغَثَّةِ، وَالْوُجُوهِ الرَّثَّةِ، لِأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَهَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ عِيرٍ وَلَا نَفِيرٍ، وَلَا يَعْرِفُ قَبِيلًا مِنْهُ مِنْ دَبِيرٍ» يُرِيدُ بِهِ عِلْمَ الْبَيَانِ.
وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ «الْمِفْتَاحِ» : «وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى تَمَامِ مُرَادِ الْحَكِيمِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ مِنْ كَلَامِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَى هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ (الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ) كُلَّ الِافْتِقَارِ، فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ تَعَاطَى التَّفْسِيرَ وَهُوَ فِيهِمَا رَاجِلٌ» .
قَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي «شَرْحِهِ» : «وَلَا شَكَّ أَنَّ خَوَاصَّ نَظْمِ الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ بَلِيغًا سَلِيقَةً، مِنْ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ. وَقَدْ أَصَابَ (السَّكَّاكِيُّ) بِذِكْرِ الْحَكِيمِ الْمَحَزِّ، أَيْ أَصَابَ الْمَحَزَّ إِذْ خَصَّ بِالذِّكْرِ هَذَا الِاسْمَ مِنْ بَيْنِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، لِأَنَّ كَلَامَ الْحَكِيمِ يَحْتَوِي عَلَى مَقَاصِدَ جَلِيلَةٍ وَمَعَانِي غَالِيَةٍ، لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِهَا أَوْ مُعْظَمِهَا إِلَّا بَعْدَ التَّمَرُّسِ بِقَوَاعِدِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ الْمُفْرَغَةِ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ يُنَبِّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلَكِنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ،

[1] اُنْظُرْهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [15] .
[2] ديباجة «الْكَشَّاف» .
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست