responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 473
لِأَنَّهُمْ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْجَلَاءِ وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُرَدُّونَ بِالْيَاءِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ يَفْعَلُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتًا، فَيَكُونَ رَاجِعًا إِلَى قَوْلِهِ: أَفَتُؤْمِنُونَ، فَيَكُونَ قَدْ خَرَجَ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ هُرْمُزَ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمَا: تُرَدُّونَ بِالتَّاءِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: أَفَتُؤْمِنُونَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْلِهِ: مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ، فَيَكُونَ قَدْ خَرَجَ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ. وَأَشَدُّ الْعَذَابِ: الْخُلُودُ فِي النَّارِ، وَأَشَدِّيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا انْقِضَاءَ لَهُ، أَوْ أَنْوَاعُ عَذَابِ جَهَنَّمَ، لِأَنَّهَا دَرَكَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَفِيهَا أَوْدِيَةٌ وَحَيَّاتٌ، أَوِ الْعَذَابُ الَّذِي لَا فَرَحَ فِيهِ وَلَا رُوحَ مَعَ الْيَأْسِ مِنَ التَّخَلُّصِ، أَوِ الْأَشَدِّيَّةُ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الدُّنْيَا، أَوِ الْأَشَدِّيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ عَامَّتِهِمْ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أضلوهم ودلسوا عليهم، أقوال خَمْسَةً. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ هَذَا الْكَلَامِ، إِذْ وَقَعَ قَبْلَ أَفَتَطْمَعُونَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ. فَبِالْيَاءِ نَاسَبَ يُرَدُّونَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ، وَبِالتَّاءِ تُنَاسِبُ قِرَاءَةَ تُرَدُّونَ بِالتَّاءِ، فَيَكُونُ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا فِي الْآيَةِ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ مَضَوْا، وَأَنْتُمُ الَّذِينَ تُعْنَوْنَ بِهَذَا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَبِمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْ أَوْعَظِ الْآيَاتِ، إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ بِالْمِرْصَادِ لِكُلِّ كَافِرٍ وَعَاصٍ.
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، وَفِي اسْمِ الْإِشَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أُشِيرَ بِهِ إِلَى الَّذِينَ جَمَعُوا الْأَوْصَافَ السَّابِقَةَ الذَّمِيمَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [1] ، وَأَنَّهُ إِذَا عُدِّدَتْ أَوْصَافٌ لِمَوْصُوفٍ، أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ جَامِعُ تِلْكَ الْأَوْصَافِ. وَالَّذِينَ: خَبَرٌ عَنْ أُولَئِكَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: اشْتَرَوُا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ يَقْتَضِيَانِ عِوَضًا وَمُعَوَّضًا أَعْيَانًا. فَتَوَسَّعَتِ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَعَانِي، وَجَعَلَ إِيثَارَهُمْ بَهْجَةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا عَلَى النَّعِيمِ السَّرْمَدِيِّ اشْتِرَاءً، إِيثَارًا لِلْعَاجِلِ الْفَانِي عَلَى الْآجِلِ الْبَاقِي، إِذِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ هُوَ الْمُؤْثِرَ لِتَحْصِيلِهِ، وَالثَّمَنُ الْمَبْذُولُ فِيهِ مَرْغُوبٌ عَنْهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مَغْبُونُ الرَّأْيِ فَاسِدُ الْعَقْلِ.
قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْمَعَانِي: إِنَّ الدُّنْيَا: مَا دَنَا مِنْ شَهَوَاتِ الْقَلْبِ، والآخرة: ما

[1] سورة البقرة: 2/ 5.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 473
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست