responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 269
لِدَرَجَتِهِ. وَحَوَّاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ مَعْصِيَتَهُمَا تَكَرَّرَتْ وَاسْتَمَرَّ مِنْهُمَا الْكُفْرُ وَالْإِصْرَارُ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّوْبَةُ مُتَعَذِّرَةٌ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُمَا لَا يَتُوبَانِ، وَلَيْسَتْ حَوَّاءُ كَذَلِكَ لِخِفَّةِ مَا وَقَعَ مِنْهَا، أَوْ لِرُجُوعِهَا إِلَى رَبِّهَا، وَلِأَنَّ التَّبْكِيتَ لِلْمُذْنِبِ شَرْعُ رَجَاءِ الْإِقْلَاعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْقُودٌ فِيهِمَا، وَذِكْرُهُمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى زَوْجَيْهِمَا فِيهِ مِنَ الشُّهْرَةِ مَا لَا يَكُونُ فِي ذِكْرِ اسْمَيْهِمَا غَيْرَ مُضَافَيْنِ إِلَيْهِمَا. وَتَوْبَةُ الْعَبْدِ: رُجُوعُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ: رُجُوعُهُ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ وَالرَّحْمَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّوْبَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنَ الْعَبْدِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ النَّدَمُ، أَخْذًا بِظَاهِرِ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»
وَقَالَ قَوْمٌ: شُرُوطُهَا ثَلَاثَةٌ: النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ، وَالْإِقْلَاعُ عَنْهُ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ. وَتَأَوَّلُوا: النَّدَمَ تَوْبَةً عَلَى مُعْظَمِ التَّوْبَةِ نَحْوَ: الْحَجُّ عَرَفَةٌ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي الشُّرُوطِ، يرد الْمَظَالِمِ إِذَا قَدَرَ عَلَى رَدِّهَا، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: الْمَطْعَمُ الْحَلَّالُ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا بُدَّ مَعَ تِلْكَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْإِشْفَاقِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ أَتَى بِهَا كَمَا لَزِمَهُ، فَيَكُونُ خَائِفًا. وَلِهَذَا جَاءَ يُحَذِّرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ بَكَيَا عَلَى مَا فَاتَهُمَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي كَثْرَةِ دُمُوعِ آدَمَ وَدَاوُدَ شَيْئًا يَفُوتُ الْحَصْرَ كَثْرَةً. وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ آدَمَ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ مَكَثَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَ عَلَى آدَمَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ إِنَّهُ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ نَوْفَلُ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ: أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ فَتَحَ عَلَى التَّعْلِيلِ، التَّقْدِيرُ: لِأَنَّهُ، فَالْمَفْتُوحَةُ مَعَ مَا بَعْدَهَا فَضْلَةٌ، إِذْ هِيَ فِي تَقْدِيرٍ مُفْرَدٍ ثَابِتٍ وَاقِعٍ مَفْرُوغٍ مِنْ ثُبُوتِهِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ نِزَاعُ مُنَازِعٍ، وَأَمَّا الْكَسْرُ فَهِيَ جُمْلَةٌ ثَابِتَةٌ تَامَّةٌ أُخْرِجَتْ مَخْرَجِ الْإِخْبَارِ الْمُسْتَقِلِّ الثَّابِتِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهَا رَبْطٌ مَعْنَوِيٌّ بِمَا قَبْلَهَا، كَمَا جَاءَتْ فِي: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ [1] ، اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [2] ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ [3] ، حَتَّى لَوْ وُضِعَتِ الْفَاءُ الَّتِي تُعْطِي الرَّبْطَ مَكَانَهَا أَغْنَتْ عَنْهَا، وَقَالُوا: إِنَّ إِنَّ إِنَّمَا تَجِيءُ لِتَثْبِيتِ مَا يَتَرَدَّدُ الْمُخَاطَبُ فِي ثُبُوتِهِ وَنَفْيِهِ، فَإِنْ قُطِعَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَلَيْسَ مِنْ مَظَانِّهَا، فَإِنْ وُجِدَتْ دَاخِلَةً عَلَى مَا قُطِعَ فِيهِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ

[1] سورة يوسف: 12/ 53.
[2] سورة الحج: 22/ 1.
[3] سورة التوبة: 9/ 103.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 269
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست