responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 261
ابْتُلِيَ بِهِ آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ،
كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» .
وَقِيلَ: خَاطَبَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ الطَّرْدِ وَاللَّعْنِ، وَكَانَ خِطَابُهُ وَسْوَسَةً، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي نَقْلِ قَصَصٍ كَثِيرٍ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَالْحَيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَالِهِ حِينَ أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، أَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ التَّعَمُّدِ، أَمْ فِي حَالِ غَفْلَةِ الذِّهْنِ عَنِ النَّهْيِ بِنِسْيَانٍ، أَمْ بِسُكْرٍ مِنْ خَمْرِ الْجَنَّةِ، كَمَا ذَكَرُوا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ، لِأَنَّ خَمْرَ الْجَنَّةِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، لَا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ [1] إِلَّا إِنْ كَانَتِ الْجَنَّةُ فِي الْأَرْضِ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ، فَيُمْكِنُ أن يكون خمرها يسكر. وَالَّذِينَ قَالُوا: بِالْعَمْدِ، قَالُوا: كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ، وَقِيلَ: كَانَ مَعَهُ مِنَ الْفَزَعِ عِنْدَ إِقْدَامِهِ مَا صَيَّرَ هَذَا الْفِعْلَ صَغِيرَةً. وَقِيلَ: فَعَلَهُ اجْتِهَادًا، وَخَالَفَ لأنه تقدم الْإِشَارَةَ إِلَى الشَّخْصِ لَا إِلَى النَّوْعِ، فَتَرَكَهَا وَأَكَلَ أُخْرَى. وَالِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ لَا يُوجِبُ الْعِقَابَ. وَقِيلَ كَانَ الْأَكْلُ كَبِيرَةً، وَقِيلَ: أَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فِي غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفَانِهَا، فَلَمْ يَعْرِفَاهُ، وَحَلِفَ لَهُمَا أَنَّهُ نَاصِحٌ. وَقِيلَ: نَسِيَ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ آدَمُ وَلا تَقْرَبا أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْقُرْبَانِ مُجْتَمِعِينَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَقْرَبَ، وَالَّذِي يُسْلَكُ فِيمَا اقْتَضَى ظَاهِرُهُ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَحْسَنِ مَحْمَلٍ، وَتَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ النَّقَائِصِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على ما يرد من ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَفِي (الْمُنْتَخَبِ) لِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنُ أبي الفضل المرسي مَا مُلَخَّصُهُ:
مَنَعَتِ الْأُمَّةُ وُقُوعَ الْكُفْرِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِلَّا الْفَضِيلِيَّةَ مِنَ الْخَوَارِجِ، قَالُوا: وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ ذُنُوبٌ، وَالذَّنْبُ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، وَأَجَازَ الْإِمَامِيَّةُ إِظْهَارَ الْكُفْرِ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ، وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ، فَلَا يَجُوزُ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، وَمِنَ النَّاسِ مِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ سَهْوًا وَأَجْمَعُوا عَلَى امْتِنَاعِ خَطَئِهِمْ فِي الْفُتْيَا عَمْدًا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّهْوِ. وَأَمَّا أَفْعَالُهُمْ فَقَالَتِ الْحَشَوِيَّةُ: يَجُوزُ وُقُوعُ الْكَبَائِرِ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الْعَمْدِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ: بِجَوَازِ الصَّغَائِرِ عَمْدًا إِلَّا فِي الْقَوْلِ، كَالْكَذِبِ. وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ: يَمْتَنِعَانِ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّأْوِيلِ. وَقِيلَ: يَمْتَنِعَانِ عَلَيْهِمْ، إِلَّا عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ، وَهُمْ مَأْخُوذُونَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا عَنْ أُمَّتِهِمْ. وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ: يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ. وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْعِصْمَةِ فَقَالَتِ الرَّافِضَةُ: مِنْ وَقْتِ مَوْلِدِهِمْ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: مِنْ وَقْتِ النُّبُوَّةِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُمْ ذَنْبٌ حَالَةَ النُّبُوَّةِ أَلْبَتَّةَ، لا

[1] سورة الصافات: 37/ 47.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 261
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست