والمعتزلة:
يزعمون أنهم أهل الحق وأنهم الفرقة الناجية، يقول مقدمهم وكبيرهم عمو بن عبيد[1] للخليفة المنصور- وقد سأله أن يعينه بأصحابه: "أظهر الحق يتبعك أهله"[2] يريد المعتزلة. فما على المنصور إذا أراد معونتهم إلا أن يرفع رايتهم ويظهر مذهبهم.
ويستدلون على أنهم الفرقة الناجية برواية محرفة لحديث الافتراق فقالوا: روي سفيان الثوري عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة"، ولعلهم شعروا بتفردهم بهذه الرواية فاتهموا سفيان بأنه قال لأصحابه: "تسموا بهذا الاسم لأنكم اعتزلتم الظلمة، فقالوا: سبقك بها عمرو بن عبيد وأصحابه -قالوا: فكان سفيان بعد ذلك يروي: واحدة ناجية"[3].
ولهؤلاء نقول: من مذهبكم عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في باب الاعتقاد؛ فكيف سوغتم لأنفسكم الاحتجاج بهذا الحديث مع اتهامكم راويه سفيان بأنه تصرف في الحديث بوضع عبارة مكان أخرى؟
ولكن لا غرابة فإن إحدى علامات أهل البدع: أنهم يأخذون من السنة ما وافق أهواءهم، صحيحًا كان أو ضعيفًا، ويتركون ما لم يوافق أهواءهم من الأحاديث وإن صح وأخرج الشيخان! [4].
ويزعم المعتزلة أنهم هم المتمسكون بالسنة والجماعة دون غيرهم مع قولهم بعدم حجية حديث الآحاد. [1] هو: عمرو بن عبيد من باب أبو عثمان البصري كبير المعتزلة، له كتاب: العدل، والتوحيد، وكتاب الرد على القدرية- يريد السنة مات بطريق مكة سنة ثلاث، وقيل: أربع وأربيعين ومائة، الذهبي: "سير أعلام النبلاء" "6/ 104- 106". [2] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 168. [3] ابن المرتضى أحمد بن يحيى، المنية والأمل ص 2- 3. [4] انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/ 628- 629.