والأشعري يفرق بين حركة الإضطرار كحركة المرتعش، وحركة الاختيار مثل ذهاب الانسان ومجيئه، يقول:"فإن قال قائل: فيجب إذا كانت إحدى الحركتين ضرورة أن تكون الأخري كذلك، وإذا كانت إحداهما كسبا أن تكون الأخرى كذلك، قيل له: لا يجب ذلك لافتراقهما في معني الضرورة والاكتساب، لأن الضرورة ما حمل عليه الشيء وأكره وجبر عليه، ولو جهد في التخلص منه وأراد الخروج عنه واستفرغ في ذلك مجهوده لم يجد منه انفكاكا ولا الى الخروج عنه سبيلا، فإذا كانت إحدى الحركتين بهذا الوصف الذي هو وصف الضرورة وهي حركة المرتعش من الفالج والمرتعد من الحمي كانت اضطرارا، وإذا كانت الحركة الأخرى بخلاف هذا الوصف لم تكن اضطرارا، لأن الانسان في ذهابه ومجيئه واقباله وإدباره بخلاف المرتعش من الفالج والمرتعد من الحمي، يعلم الإنسان التفرقة بين الحالين من نفسه وغيره علم اضطرار لا يجوز معه الشك، فقد وجب إذا كان العجز في إحدى الحالتين أن القدرة التي هي ضده حادثة في الحال الأخرى، لأن العجز لو كان في الحالين جميعا لكان سبيل الإنسان فيهما سبيلا واحدة، فلما لم يكن هذا هكذا وكانت القدرة في إحدى الحركتين وجب أن تكون كسبا لأن حقيقة الكسب: أن الشيء وقع من المكتسب له بقوة محدثة لافتراق الحالين في الحركتين، ولأن إحداهما بمعنى الضرورة وجب أن تكون ضرورة، ولأن الأخرى بمعنى الكسب وجب أن تكون كسبا، ودليل الخلق في حركة الاضطرار وحركة الاكتساب واحد، فلذلك وجب إذا كانت إحداهما خلقا أن تكون الأخرى خلقا" [1] ، ويوضح أن كلا منهما خلق لله تعالى سواء كان اضطرارا أو اختيارا، ثم يقول:"ليس العجز بأن يدل على أن الله تعالى خلق المعجوز عنه بأولي من أن تكون القدرة التي جعلها الله تعالى دلالة على أن الله خلق المقدور عليه، لأن ماخلق الله القدرة فينا عليه فهو عليه أقدر، كما أن ماخلق فينا العلم به فهو به أعلم، وما خلق [1] اللمع (ص: 41- 42) - مكارثي-.