بينكم وبين من قال: إن رؤية القلب وإبصاره هو إدراكه وإحاطته؟، فإذا كان علم القلب بالله عز وجل وإبصار القلب له رؤيته إياه ليس بإحاطة ولا ادراك فما أنكرتم أن تكون رؤية العيون وإبصارها لله عز وجل ليس بإحاطة ولا ادراك" [1] ، فلو بنى الجواب على التفريق بين الإدراك والرؤية لوضح الأمر ولأصبحت الآية دالة على الرؤية، فيكون الكلام في إثبات دلالتها على المذهب الحق، وليس في بيان عدم دلالتها على نفى الرؤية.
أما الأدلة العقلية على إثبات الرؤية فقد ذكر دليلين:
أحدهما: دلالة الوجود، و" أنه ليس موجودا إلا وجائز أن يريناه الله عز وجل، وإنما لا يجوز أن يرى المعدوم، فلما كان الله عز وجل موجودا مثبتا كان غير مستحيل أن يرينا نفسه عز وجل" [2] .
خر: أن: أن الله يرى الأشياء، فإذا كان لنفسه رائيا فجائز أن يرينا نفسه، ويقول: " ولما كان الله عز وجل رائيا للأشياء كان رائيا لنفسه، وإذا كان رائيا لها فجائز أن يرينا نفسه كما أنه لما كان عالما بنفسه جاز أن يعلمناها" [3] .
هذا كلامه في الإبانة، لكنه في اللمع يستدل على جواز الرؤية باستدلال يقوم على أن الرؤية لا يلزم منها إثبات حدث الباري، أو اثبات حدث معني فيه أو تشبيهه أو غيره مما يقول: إنه يستحيل أن يتصف به، وذلك احترازا من اللوازم الباطلة التي يظنها نفاة الرؤية [4] ، ولذلك ذكر الأشعري عن بعض أصحابه انه التزم جواز اللمس والذوق والشم اذا كان ذلك لا يقتضي إحداث معنى في الباري [5] . [1] الإبانة (ص: 59) - ت- فوقية، و (ص: 22- 23) - هندية- [2] المصدر السابق (ص: 52) - ت- فوقية. [3] المصدر نفسه. [4] اللمع (ص: 32-33) - مكارثي-. [5] انظر: نفس المصدر (ص: 33) .