responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معارج القدس في مدارج معرفه النفس المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 154
يبْقى بل يَزُول إِذْ أَتَى عَلَيْهِ مُدَّة من الزَّمَان وان كَانَت من الْعُلُوم فِي دَرَجَة الْكَمَال واعتقدت الْحَقَائِق على براهين يقينية وَلَكِن تنتهج مناهج الشَّرْع وَلم تسلك سَبِيل الْخيرَات وَلم يعْمل بعلمها فَهُوَ معذب مُدَّة وَلَكِن يَزُول وَلَا يبْقى ويبلغ بِالآخِرَة دَرَجَة من السَّعَادَة بِسَبَب الْعلم لِأَن هَذِه الْعَوَارِض بِمُقْتَضى الشَّهَوَات وَتلك تَزُول وان حصل لَهُ الْعُلُوم اليقينية إِمَّا على سَبِيل الْفِكر ونزه أخلاقه وحسنها وَعمل بِمُوجب الشَّرْع فَلهُ الدرجَة الْعليا فِي السَّعَادَة وَله الْوُصُول بِلَا انْفِصَال وَهُوَ النّظر الى الْجمال الْحق والجلال الْمَحْض والكمال الصّرْف كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} فَحق الْعَاقِل أَن يسْعَى لطلب تِلْكَ السَّعَادَة ويحترز عَن مضادها وعوائقها وَالله ولي التَّيْسِير والتوفيق
وَالنَّفس الانسانية اذا تجردت عَن الْبدن وَلم يبْق لَهَا علاقَة إِلَّا بعالمها فانه يجوز أَن يكون فِيهَا مَا يكون بِالْعقلِ والرأي وَسَائِر مَا يعقل مِمَّا يَلِيق بذلك الْعَالم الَّذِي هُوَ عَالم الثَّبَات والكون بِالْفِعْلِ وَهُوَ عَالم اتِّصَال النَّفس بالمبادىء الَّتِي فِيهَا هَيْئَة الْوُجُود كلهَا فتنتقش بِهِ فَلَا يكون هُنَاكَ نُقْصَان وَانْقِطَاع من الْفَيْض المتمم حَتَّى تحْتَاج أَن يفعل فعلا ينَال بِهِ كمالا وَيَقُول قولا ينَال بِهِ كمالا وَذَلِكَ هُوَ الْفِكر وَالذكر وَنَحْوهمَا فانها تنتقش بنقش الْوُجُود كُله فَلَا يحْتَاج إِلَى طلب نقش آخر فَلَا يتَصَرَّف فِي شَيْء مِمَّا كَانَ فِي هَذَا الْعَالم وَفِي تَحْصِيلهَا على هيئاتها الْجُزْئِيَّة طالبة لَهَا من حَيْثُ كَانَت جزئية وَالنَّفس الزكية تعرض عَن هَذَا الْعَالم وَهِي مُتَّصِلَة بعد بِالْبدنِ وَلَا تحفظ مَا يجْرِي فِيهِ عَلَيْهَا وَلَا تحب أَن تذكر فَكيف الفائز بالتجرد الْمَحْض مَعَ الِاتِّصَال بِالْحَقِّ وَالْجمال الْمَحْض والعالم الْأَعْلَى الَّذِي فِي حيّز السرمد وَهُوَ عَالم ثبات لَيْسَ عَالم التجدد الَّذِي فِي مثله يَتَأَتَّى أَن يَقع الْفِكر وَالذكر وانما عَالم التجدد عَالم الْحَرَكَة وَالزَّمَان فالمعاني الْعَقْلِيَّة الصرفة والمعاني الَّتِي تصير جزئية مادية كلهَا هُنَاكَ بِالْفِعْلِ وَكَذَلِكَ حَال نفوسنا

اسم الکتاب : معارج القدس في مدارج معرفه النفس المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست