responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معارج القدس في مدارج معرفه النفس المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 153
وَتَمام انغماسه فِيهِ فَإِذا فارقته أحست بِتِلْكَ المضادة الْعَظِيمَة فان النَّاس نيام فاذا مَاتُوا انتبهوا وتأذت أَذَى عَظِيما لَكِن هَذَا الْأَذَى وَهَذَا الْأَلَم لَيْسَ لأمر ذاتي بل لأمر عَارض غَرِيب وَالْأَمر الْعَارِض الْغَرِيب لَا يَدُوم وَلَا يبْقى وَيَزُول وَيبْطل مَعَ ترك الْأَفْعَال الَّتِي كَانَت تثبت تِلْكَ الْهَيْئَة بتكريرها فَيلْزم اذا أَن تكون الْعقُوبَة الَّتِي بِحَسب ذَلِك غير خالدة بل تَزُول وتنمحي قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى تزكو النَّفس وتبلغ السَّعَادَة الَّتِي تخصها وَلِهَذَا لم ير أهل السّنة تخليد أهل الْكَبَائِر من الْمُؤمنِينَ لِأَن أصل الِاعْتِقَاد راسخ والعوارض تَزُول ويعفى عَنْهَا وَتغْفر
وَأما النُّفُوس البله الَّتِي لم تكتسب الشوق وَلم تحن الى المعارف الَّتِي للعارفين فانها اذا فَارَقت الْأَبدَان وَكَانَت غير مكتسبة للهيئات الردية صَارَت الى سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى وَنَوع من الرَّاحَة وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَكثر أهل الْجنَّة البله وعليون لِذَوي الْأَلْبَاب وَأما إِن كَانَت مكتسبة للهيئات الْبَدَنِيَّة ملطخة بِالْمَعَاصِي وكدورات الشَّهَوَات وَلَيْسَ عِنْدهَا هَيْئَة غير ذَلِك وَلَا معنى يضاده وينافيه فَيكون لَا محَالة شوقها الى مقتضاها فتتعذب عذَابا شَدِيدا لفقدان الْبدن ومقتضيات الْبدن من غير أَن يحصل المشتاق اليه لِأَن آلَة الذّكر والفكر قد بطلت وَخلق التَّعَلُّق بِالْبدنِ قد بَقِي وَإِن اعتقدت اعتقادات بَاطِلَة وآراء فَاسِدَة وَمَعَ ذَلِك تعصب لتِلْك الاعتقادات وَجحد الْحق فَذَلِك هُوَ حَلِيف ألم ورفيق عَذَاب أَلِيم مُقيم
فخلاصة هَذَا الْفَصْل أَن النَّفس بعد الْمُفَارقَة إِن كَانَت قد فَارَقت قبل أَن اكْتسبت حَقًا أَو بَاطِلا فَهُوَ من أهل النجَاة لَا مستريح منعم وَلَا معذب كَحال الصّبيان والمجانين وَإِن كَانَت معتقدة وهمية فَاسِدَة مضادة للحق وأضاف اليها أعمالا على خلاف الشَّرْع فَهُوَ فِي عَذَاب مُقيم وَإِن اعتقدت اعتقادا حَقًا لَا عَن براهين يقينية وأضاف اليها أعمالا صَالِحَة فَهُوَ من أهل الْجنَّة وَإِن اعتقدت اعتقادات حقة وَلَكِن اشتغلت بزخارف الدُّنْيَا ولذاتها وشهواتها فَهُوَ معذب ملتفت الى مَا خَلفه غير وَاصل اليه لِأَن آلَة طلب الدُّنْيَا قد بطلت إِلَّا أَن هَذَا الْعَذَاب لَا

اسم الکتاب : معارج القدس في مدارج معرفه النفس المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست