responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور المؤلف : الراجحي، عبد العزيز بن فيصل    الجزء : 1  صفحة : 67
فصل في فسَادِ ظنِّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الفِتْنَة َ قدْ أُمِنَتْ مِنْ تَعْظِيْمِ أَصْحَابِ القبوْرِ، وَتَصْوِيْرِ التَّمَاثِيْلِ، وَبيان ِأَنهَا فِتْنَة ٌ عَمْيَاءُ خَطِيْرَة ٌ لا تؤْمَن
قدْ ظنَّ بَعْضُ مَنْ لمْ يَعْرِفْ مَلة َ إبْرَاهِيْمَ الحنِيْفِيَّة َ حَقَّ المعْرِفةِ (1)
، عَليْهِ وَعَلى نبيِّنَا أَفضَلُ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيْمِ: أَنَّ مَا خَشِيَه ُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى أُمَّتِهِ مِنْ تَعْظِيْمِ القبوْرِ وَآثارِ الصّالِحِيْنَ، وَتَصْوِيْرِ تمَاثِيْلِهمُ المفضِي إلىَ عِبَادَتِهَا وَعِبَادَتِهمْ: إنمَا كانَ ذلِك َ في أَوَّل ِ الأَمْرِ، لِقرْبِ العَهْدِ بعِبَادَةِ الأَوْثان. أَمّا اليوْمَ: فلا، فقدْ أُمنَتْ هَذِهِ الفِتْنَة!

(1) - كأَحْمَدِ بْن ِمُحَمَّدِ بْن ِ الصِّدِّيْق ِالغمَارِيِّ المغرِبيّ (ت1380هـ) في كِتَابهِ «إحْيَاءِ المقبوْر، مِنْ أَدِلةِ اسْتِحْبَابِ بناءِ المسَاجِدِ وَالقِبَابِ عَلى القبوْر».
وَقدْ بيَّنَ الشَّيْخُ الأَلبَانِيُّ رَحِمَهُ الله ُ في كِتَابهِ «تَحْذِيْرِ السّاجِد، مِنَ اتِّخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد»: فسَادَ ذلِك َ الكِتَابِ وَضَعْفهُ وَتنَاقضَ مُؤَلفِه.
وَمِنْ ذلِك َ: أَنَّ الغمَارِيَّ زَعَمَ فِيْهِ (ص18 - 19): أَنَّ الأَئِمَّة َ اتفقوْا عَلى تَعْلِيْل ِ النَّهْيِّ عَن ِ اتِّخَاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ بعِلتَيْن ِ، قالَ:
(إحْدَاهُمَا: أَنْ يُؤَدِّيَ إلىَ تَنْجِيْس ِ المسْجِد.
وَثانِيْهمَا - وَهُوَ قوْلُ الأَكثرِيْنَ، بَل ِ الجمِيْعِ حَتَّى مَنْ نصَّ عَلى العِلةِ السّابقةِ-: أَنَّ ذلِك َ قدْ يُؤَدِّي إلىَ الضَّلال ِ وَالفِتنةِ باِلقبْر).
ثمَّ زَعَمَ الغمَارِيُّ (ص20 - 21): أَنَّ هَذِهِ العِلة َ الأَخِيْرَة َ، قدِ انتفتْ برُسُوْخِ الإيْمَان ِ في نفوْس ِ المؤْمِنِيْنَ، وَنشأَتِهمْ عَلى التَّوْحِيْدِ الخالِص ِ، وَاعْتِقادِهِمْ نفيَ الشَّرِيْكِ مَعَ اللهِ تَعَالىَ، وَأَنهُ سُبْحَانهُ المنْفرِدُ باِلخلق ِ وَالإيْجَادِ وَالتَّصْرِيْف.
ثمَّ قالَ: (وَباِنتِفاءِ العِلةِ، يَنْتفِي الحكمُ المترَتبُ عَليْهَا: وَهُوَ كرَاهَة ُ اتخاذِ المسَاجِدِ وَالقِبَابِ عَلى قبوْرِ الأَوْلِيَاءِ وَالصّالحِين).
وَقدْ رَدَّ عَليْهِ الشَّيْخُ الأَلبانِيُّ في كِتَابهِ السّابق ِ (ص112 - 134)، وَبيَّنَ بُطلانَ زَعْمِهِ هَذَا، وَأَنَّ اعْتِقادَ الرَّجُل ِ انفِرَادَ اللهِ باِلخلق ِ وَالإيْجَادِ وَالتَّصْرِيْفِ، دُوْنَ إفرَادِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانهُ باِلعِبَادَةِ: لا يَنْفعُهُ، كمَا أَنَّ إيْمَانَ مُشْرِكِي العَرَبِ المتقدِّمِيْنَ بذَلِك َ لمْ يَنْفعْهُمْ، لِصَرْفِهمْ شَيْئًا مِنَ العِبَادَةِ لِغيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ سُبْحَانهُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}.
وَقالَ سُبْحَانهُ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}.
فإنَّ كفرَهُمْ لمْ يَأْتِهمْ مِنْ إخْلالهِمْ بتوْحِيْدِ الرُّبوْبيَّةِ، وَإنمَا جَاءَهُمْ مِنْ إشْرَاكِهمْ في تَوْحِيْدِ العِبَادَة.
ثمَّ بيَّنَ الشَّيْخُ الأَلبَانِيُّ (ص115) تنَاقضَ الغمَارِيِّ، وَأَنهُ مَعَ زَعْمِهِ رُسُوْخَ الإيْمَان ِ في نفوْس ِ النّاس ِ، وَنشْأَتِهمْ عَلى التَّوْحِيْدِ الخالِص ِ: ناقضَ نفسَهُ بَعْدَ زَعْمِهِ ذلِك َ بصَفحَاتٍ، فذَكرَ أَنَّ كثِيْرًا مِنَ العَامَّةِ باِلمغرِبِ، يَعْتقِدُوْنَ وَينْطقوْنَ في حَقِّ جُمْلةٍ مِنَ الصّالحِيْنَ بمَا هُوَ كفرٌ صَرِيْحٌ مُخْرِجٌ مِنَ المِلة!
وَمِنْ ذلِك َ: قوْلُ الغمَارِيِّ (ص22): (فإنَّ عِنْدَنا باِلمغرِبِ مَنْ يَقوْلُ عَن ِ القطبِ الأَكبَرِ مَوْلانا عَبْدِ السَّلامِ بْن ِمشّيْش رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: «إنهُ الذِي خَلقَ الدِّيْنَ وَالدُّنيَا».
وَمِنْهُمْ: مَنْ قالَ وَالمطرُ نازِلٌ بشِدَّةٍ: «يَا مَوْلانا عَبْدَ السَّلامِ أُلطفْ بعِبَادِك»!: فهَذَا كفرٌ) اه كلامُه.
فمَعَ وُقوْفِ الغمَارِيِّ عَلى مَا تقدَّمَ، وَسَمَاعِهِ لهُ: زَعَمَ مَا زَعَمَ! وَادَّعَى مَا ادَّعَى! فأَينَ توْحِيْدُ أُوْلئِك َ الخالِصُ، وَشِرْكهُمْ باِللهِ ظاهِر؟!
بَلْ إنَّ شِرْكهُمْ أَعْظمُ مِنْ شِرْكِ مُشْرِكِي العَرَبِ القدَامَى، فالمشْرِكوْنَ القدَامَى سَالمِوْنَ في تَوْحِيْدِ الرُّبوْبيَّةِ كمَا تقدَّمَ، وَإشْرَاكهُمْ إنمَا هُوَ في تَوْحِيْدِ العِبَادَة. أَمّا إذا اضْطرُّوْا وَضَاقتْ عَليْهمُ السُّبُلُ: فيُخْلِصُوْنَ التَّوْحِيْدَ وَالعِبَادَة َللهِ، كمَا قالَ عَنْهُمْ سُبْحَانهُ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
أَمّا مُشْرِكو زَمَانِنَا: فشِرْكهُمْ مُطرِدٌ مَعَهُمْ في أَحْوَالهِمْ كلهَا! بَلْ إنهُمْ يُخْلِصُوْنَ الشِّرْك َ باِللهِ في شَدَائِدِهِمْ، فإنهُمْ رُبَّمَا دَعَوا الله َوَمَعَهُ غيْرَهُ في الرَّخَاءِ، فإذا اشْتَدَّ بهمُ الكرْبُ، وَبعُدَ عَنْ ظنِّهمُ الفرَجُ: أَخْلصُوْا الدُّعَاءَ لِشُرَكائِهمْ مِنْ دُوْن ِ اللهِ، وَلمْ يَدْعُوْهُ سُبْحَانه.
بَلْ إنَّ كثِيْرًا مِنْهُمْ: قدْ فسَدَ عِنْدَهُ تَوْحِيْدُ الرُّبوْبيَّةِ أَيضًا - فصَارَ شِرْكهُ وَكفرُهُ أَعْظمَ مِنْ كفرِ المتقدِّمِيْنَ مِنْ غيْرِ وَجْهٍ -: فيزْعُمُ أَنَّ فلانا لهُ تَصَرُّفٌ في الكوْن ِ! أَوْ خَلقُ الدُّنيا وَالدِّين ِ! كمَا في قوْل ِ ذلِك َ المشْرِكِ الذِي حَكى قوْلهُ الغمَارِيّ.
اسم الکتاب : مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور المؤلف : الراجحي، عبد العزيز بن فيصل    الجزء : 1  صفحة : 67
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست