آلهتهم ستصيبه بسوء وجعل دعواهم من أعظم الأدلة على فساد قولهم وبطلان مذهبهم وبين لهم بطلان إلهيتها وأن عبادتهم لها ستكون مضرة عليهم فقال:
{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً} أي: كيف يتسرب الخوف إلى قلبي من أوثانكم، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله في عبادته آلهة أخرى فأي الفريقين أحق بالأمن وأولى بأن لا يلحقه الخوف أهو فريق الموحدين أم فريق المشركين؟
فلقد صدر الحكم بين الفريقين من عند أحكم الحاكمين وأعدل العادلين الذي لا أصح من حكمه فقال ـ عز شأنه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي: بشرك1 {أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فكان الحكم من قبل الله ـ تعالى ـ أن الهدى والأمن لأهل التوحيد، وحكم لفريق الشرك بالضلال والخوف بعكس ما حكم به لأهل التوحيد، وبذلك علت حجة أبينا إبراهيم على قومه كما قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} 2 وقال تعالى في قصة هود عليه السلام عندما خوفه قومه بالآلهة: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} 3. هاتان الآيتان بين الله فيهما موقف هود عليه السلام من مقالة قومه له حينما نصح لهم في الدعوة إلى توحيد الله وتصديقه وخلع الأوثان والتبرؤ منها ولما أيقنوا أن هوداً لا يتركهم من الدعوة إلى الله وإلى عبادته وحده لا شريك له حينذاك كان قولهم ما يحملك على ذم آلهتنا إلا أنه أصابك منها خبل وجنون فكان جواب هود عليه السلام لهم جواب من وثق بربه واعتمد عليه وأصبح لا يكترث بأي تخويف كان من غير الله ـ تعالى ـ فقال لهم: إني أشهد الله على نفسي، وأشهدكم أيضاً أيها القوم أنني بريء من هذه الآلهة التي أشركتموها مع الله في العبادة من دونه {فَكِيدُونِي جَمِيعاً} يقول: اعملوا كل حيلة أنتم وآلهتكم في ضري
1- روى الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن مسعود قال: لما نزلت قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قالوا: يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال: "إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " صحيح البخاري 3/128، وصحيح مسلم 1/114، المسند 1/378.
2- سورة الأنعام آية: 83.
3- سورة هود آية: 54 ـ 55.