فالخوف عبادة جليلة تعبد الله به جميع عباده من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين وسائر عباده المؤمنين.
وقد بين بعض العلماء أن الخوف أربعة أنواع:
أحدها: خوف السر وهو أن يخاف الإنسان من غير الله ـ تعالى ـ أن يصيبه بأي أذى من مرض، أو فقر أو قتل ونحو ذلك ويعتقد أن ما أصابه بذلك إلا بقدرته ومشيئته، وسواء زعم أن ذلك من باب الكرامة للمخوف بالشفاعة، أو على سبيل الاستقلال فهذا النوع لا يجوز أن يعلق بغير الله ـ تعالى ـ بحال من الأحوال لأن هذا من لوازم الإلهية، فمن جعل مع الله نداً يخاف منه هذا الخوف فقد أشرك بالله العظيم إذ هذا معتقد المشركين في أصنامهم وآلهتهم ولذلك فإنهم كانوا يخوفون بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال تعالى في شأن إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام عندما خوفه قومه بآلهتهم أن تصيبه بسوء: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 1.
هذه الآيات تبين لنا موقف إبراهيم عليه السلام تجاه تخويف قومه له بآلهتهم المزعومة فقد خوفوه أنها تصيبه بأذى فبين لهم أن آلهتهم أقل وأحقر من أن تضر من جحد عبادتها وكفر بها {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ} ثم رد الأمر إلى مشيئة الباري ـ سبحانه تعالى ـ لأنه هو الذي يُخاف ويرجى فقال: {إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} وهذا الاستثناء يسمى عند النحاة استثناء منقطعاً ومعنى ذلك لا أخاف من تلك الآلهة التي تخوفونني بها فإنها لا مشيئة لها ولا قدرة لكن إذا شاء الله أن ينالني بشيء لا رادّ لذلك لأن الله ـ تعالى ـ له المشيئة النافذة وقد وسع كل شيء علماً أما آلهتكم لا تشاء، ولا تعلم فيما ترى من الأولى أن يُخاف ويُعبد أهو ـ سبحانه ـ أم آلهتكم التي زعمتموها آلهة من عند أنفسكم؟ {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} فتدركون ما أنتم عليه من الإشراك لمن لا مشيئة له ولا علم مع من له المشيئة المطلقة والعلم التام وهو الله ـ تعالى ـ ثم استرسل الخليل عليه السلام في دحض دعواهم من أن
1- سورة الأنعام آية: 80 ـ 82.