responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 429
الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا الَّذِي يَجِبُ لِلَّهِ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ بِهَا مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَهَذِهِ هِيَ الْخَمْسُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَسْبَابِ الْمَصَالِحِ فَلَا يَعُمُّ وُجُوبُهَا جَمِيعَ النَّاسِ، بَلْ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ إِمَارَةٍ وَحُكْمٍ وَفُتْيَا وَإِقْرَاءٍ وَتَحْدِيثٍ وَغَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَجِبَ بِسَبَبِ حَقٍّ لِلْآدَمِيِّينَ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ وَجَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَقَدْ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْجِيرَانِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَكَذَا قَضَاءُ الدُّيُونِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ، وَالْإِنْصَافُ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ - إِنَّمَا هِيَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ، وَإِذَا أُبْرِئُوا مِنْهَا سَقَطَتْ، وَتَجِبُ عَلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، لَمْ تَجِبْ عِبَادَةً مَحْضَةً لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى كُلِّ عَبْدٍ قَادِرٍ ; وَلِهَذَا يَشْتَرِكُ فِي أَكْثَرِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَالْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى بِخِلَافِ الْخَمْسَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مَالِيًّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ مَصَارِفُهَا ; وَلِهَذَا وَجَبَ فِيهَا النِّيَّةُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهَا الْغَيْرُ عَنْهُ بِلَا إِذْنِهِ وَلَمْ تُطْلَبْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةٌ وَلَوْ أَدَّاهَا عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَيُطَالَبُ بِهَا الْكُفَّارُ.
وَفِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ لِلْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: مَثَلُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيمَانِ كَمَثَلِ الشَّهَادَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأُخْرَى فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ، فَشَهَادَةُ الرَّسُولِ غَيْرُ شَهَادَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ، فَهُمَا شَيْئَانِ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَإِحْدَاهُمَا مُرْتَبِطَةٌ بِالْأُخْرَى فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، كَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ أَحَدُهُمَا مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ فَهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا إِسْلَامَ لَهُ، وَلَا إِسْلَامَ لِمَنْ لَا إِيمَانَ لَهُ، إِذْ لَا يَخْلُو الْمُسْلِمُ مِنْ إِيمَانٍ بِهِ يُصَحِّحُ إِسْلَامَهُ، وَلَا يَخْلُو الْمُؤْمِنُ مِنْ إِسْلَامٍ بِهِ يُحَقِّقُ إِيمَانَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْقِبْلَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَكُلَّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: إِذَا أُفْرِدَ كُلٌّ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَالْإِيمَانِ بِالذِّكْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ وَإِنْ قُرِنَ الِاسْمَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَالتَّحْقِيقُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَإِقْرَارُهُ وَمَعْرِفَتُهُ، وَالْإِسْلَامَ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَالْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَمَلِ وَهُوَ الدِّينُ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الْإِسْلَامَ دِينًا وَفِي

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 429
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست