responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 383
مَعَاصِي اللَّهِ. وَالْقُنُوطُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ، إِمَّا لِكَوْنِهِ إِذَا تَابَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَلَا يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَإِمَّا أَنَّ نَفْسَهُ لَا تُطَاوِعُهُ عَلَى التَّوْبَةِ، بَلْ هُوَ مَغْلُوبٌ، وَالشَّيْطَانُ وَنَفْسُهُ اسْتَحْوَذَا عَلَيْهِ فَيَيْأَسُ مِنْ تَوْبَةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ إِذَا تَابَ غُفِرَ لَهُ، وَهَذَا يَعْتَرِي كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَالْقُنُوطُ يَحْصُلُ بِهَذَا تَارَةً وَبِهَذَا تَارَةً، فَالْأَوَّلُ كَالرَّاهِبِ الَّذِي أَفْتَى قَاتِلَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ نَفْسًا أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ، فَقَتَلَهُ وَكَمَّلَ بِهِ الْمِائَةَ، ثُمَّ دُلَّ عَلَى عَالِمٍ فَسَأَلَهُ فَأَفْتَاهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالثَّانِي كَالَّذِي يَرَى لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا كَثِيرَةً، أَوْ يُقَالُ لَهُ: إِنَّ لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا كَثِيرَةً يَتَعَذَّرُ عَلَيْكَ فِعْلُهَا وَالْإِتْيَانُ بِهَا فَيَيْأَسُ مِنْ أَنْ يَتُوبَ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَلَمْ يُخْبِرْ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ يَغْفِرُ لِكُلِّ مُذْنِبٍ، بَلْ أَخْبَرَ - تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [محمد: 34] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: 6] وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ ذَنْبٌ لَا يَغْفِرُهُ الرَّبُّ بِحَالٍ، بَلْ مَا مِنْ ذَنَبٍ إِلَّا وَاللَّهُ يَغْفِرُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ نَفْعًا، وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى طَوَائِفَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِيمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى.

[التَّنْبِيهُ الرابع تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر]
((الرَّابِعُ:))
تَصِحُّ التَّوْبَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى آخَرَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ: لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إِلَّا مِنَ الْجَمِيعِ، وَحَكَى الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ تَوْبَةً تَجْعَلُهُ تَائِبًا مُطْلَقًا، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَرْوَذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ تَابَ عَنِ الْفَاحِشَةِ، وَلَمْ يَتُبْ عَنِ النَّظَرِ، فَقَالَ: أَيُّ تَوْبَةٍ ذِهِ؟ وَهَذَا لَا يُعْطِي مَا قَالُوهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ تَوْبَةً عَامَّةً، فَإِنَّ نُصُوصَهُ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، فَحَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا تُوَافِقُهُ أَوْلَى لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ مُبْتَدَعًا لَا يُعْرَفُ لَهُ سَلْفٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 383
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست