responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 384
فَتَاوِيهِ، قَالَ: وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَوْصِيَةً بِالسُّنَّةِ، وَالِاتِّبَاعِ، وَتَوْصِيَةً بِاتِّبَاعِ السَّلَفِ، وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْضِ ذُنُوبِهِ فَالتَّوْبَةُ تَقْتَضِي مَغْفِرَةَ مَا تَابَ مِنْهُ فَقَطْ، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ نِزَاعًا إِلَّا فِي الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ فَإِنَّ إِسْلَامَهُ يَغْفِرُ لَهُ الْكُفْرَ، وَهَلْ يَغْفِرُ لَهُ الذُّنُوبَ الَّتِي فَعَلَهَا فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فِي الْإِسْلَامِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنَ الذَّنْبِ بَقِيَ عَلَى حُكْمِهِ وَلَا يُغْفَرُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ عَمِلُوا فِي الْإِسْلَامِ. انْتَهَى.
وَإِذَا تَابَ الْإِنْسَانُ تَوْبَةً عَامَّةً، فَهِيَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا رَآهُ ذَنْبًا ; لِأَنَّ التَّوْبَةَ الْعَامَّةَ تَتَضَمَّنُ عَزْمًا لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، وَكَذَلِكَ تَتَضَمَّنُ نَدَمًا عَامًّا عَلَى كُلِّ مَحْظُورٍ، وَالنَّدَمُ سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ، أَوْ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ، أَوْ مِنْ بَابِ الْآلَامِ الَّتِي تَلْحَقُ النَّفْسَ بِسَبَبِ فِعْلِ مَا يَضُرُّهَا، فَإِذَا اسْتَشْعَرَ الْقَلْبُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يَضُرُّهُ حَصَلَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ كَانَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ، وَكَرَاهَةُ مَا كَانَ فَعَلَهُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ، وَحَصَلَ لَهُ أَذًى وَغَمٌّ لِمَا كَانَ فَعَلَهُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْآلَامِ كَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ، وَعَلَى كُلٍّ فَمَنْ تَابَ تَوْبَةً عَامَّةً كَانَتْ مُقْتَضِيَةً لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَعْيَانَ الذُّنُوبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الذُّنُوبِ لَوِ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ لِقُوَّةِ إِرَادَتِهِ، أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَسَنٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي التَّوْبَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: إِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، يَعْنِي صِحَّةَ التَّوْبَةِ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: أَمَّا صِحَّةُ التَّوْبَةِ عَنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ أَصْلُ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا الْمُعْتَزِلَةُ الْقَائِلُونَ بِالْإِحْبَاطِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْفَعُ طَاعَةٌ مَعَ مَعْصِيَةٍ، فَأَمَّا مَنْ صَحَّحَ الطَّاعَةَ مَعَ الْمَعَاصِي صَحَّحَ التَّوْبَةَ مِنْ بَعْضِ الْمَعَاصِي. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ قَتَلَ لِإِنْسَانٍ وَلَدًا وَأَحْرَقَ لَهُ بَيْدَرًا، ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْ إِحْرَاقِ الْبَيْدَرِ دُونَ قَتْلِ الْوَلَدِ لَمْ يُعَدَّ اعْتِذَارًا، وَهَذَا أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 384
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست